كيف تستطيع أي دولة أن تجابه المزيد من التحديات والمنافسة؟ بأن ترتقي بأدائها باستمرار دون كلل أو ملل، فحتى تصل للمقدمة وتحافظ على موقعك يجب أن تَبز جميع المنافسين أداءً.
هذا ينطبق على الأفراد والشركات، وعلى الدول كذلك. والأمر اللافت أن لدينا عددا كبيرا من الاستراتيجيات الهادفة لتحسين الأداء ولمواجهة التحديات، لكننا –إجمالاً- لا نطبقها، رغم أن تلك الاستراتيجيات مقرة رسمياً، وعلى الرغم من أن أموالاً وأوقاتاً بذلت لتطويرها، مما يبرر طرح سؤال:
لماذا ننفق المال ونبذل الجهد لتطوير استراتيجية للشباب أو للصناعة أو للسعودة أو للاقتصاد المعرفي، ونشغل في عرضِها ومناقشتها الجهات الحكومية فردية ومجتمعة، ونعقد من أجلها ورش العمل والاجتماعات، ونستمر في ذلك حتى تُقَر من أعلى السُلطات، ثم لا نأخذ أمر تنفيذها بذات الحماس والجدية؟!
لابد لنا أن نكون في المقدمة، وليس هذا موجها بالضرورة ضد أحد، بل رغبة في تحقيق الأفضل لوطننا ولنا.
تحدثنا طويلاً عن عضويتنا في مجموعة العشرين، وعن الفجوات في العديد من المؤشرات الاجتماعية- الاقتصادية التي علينا تجسيرها.
ومن هذا المنطلق تحديداً يجب أن نضع الخطط لتنفيذ الاستراتيجيات للتوظيف والمعرفة والشباب والتصنيع والسياحة والاستثمار إلى آخر القائمة الطويلة.
بمعنى أن علينا تنفيذ استراتيجياتنا لتحقيق رؤية أن نصبح ضمن أفضل دول مجموعة العشرين أداءً وتنوعاً اقتصادياً، وهذا ليس مطلبا سهلا بل يتطلب مكابدة مستمرة لا تنقطع، بما يردم الفجوة الكبيرة بيننا وبين بعض تلك الدول في نواح عديدة، وأن ننسى مقولة «ما أبطى مِن جا»، فالوقت دائماً هو المحك الأصعب الذي ليس بوسع أحد تجاوزه.
وهذا يعني وضع مؤشرات أداء والالتزام بها، والالتزام يكون بالإصرار لتنفيذ ما نخطط له تنموياً، وإلا كيف ستتحقق الاستراتيجيات ومن ثمَ التفوق على المنافسين؟! ولا مجال للتخفيف عن الذات عندما تَقصر جهودنا عن الوصول للمستهدف، فعلينا ألا نرضى بأقل مما هو مستهدف إلا مع وجود مبرر مقنع، وفي حال وجود مبرر لابد من بذل جهد مضاعف لتعويض ما فات.
مؤخراً، أصدر الملتقى الاقتصادي العالمي تقريره عن التنافسية، كان ترتيبنا 24 هذه السنة، متراجعا أربع مراتب عن السنة الماضية! هذا أمر يستوجب أن نتحلق حوله ونتدبره، بل وأن نعقد من أجله ورشة عمل:
كيف نرتقي بتنافسية الاقتصاد السعودي؟ هناك من سيقول:
لم لا ننظر أننا ضمن أفضل 24 اقتصادا تنافسية؟ أقول:
ممكن، لكن روح المنافسة تنظر دائماً للمقدمة، بل وتنظر للتطوير المستمر، أي السعي لارتقاء سُلَم المنافسة عاماً بعد عام، بمعنى أن وصولنا للمرتبة «20» في عام مضى يتطلب تحقيق مرتبة أفضل في الأعوام التي تليه وليس العكس.
وتجدر الإشارة أن ترتيب الدول في تقرير التنافسية العالمية يرتكز إلى معايير تفصيلية محصلتها الأخيرة هو ترتيب الدول، ولذا فالتمعن في المؤشرات التفصيلية وأدائنا في كلٍ منها هو الأساس لجعل اقتصادنا أكثر تنافسية.
أعود لاستراتيجياتنا التنموية، فمهمٌ أن نراجعها ونعدلها إن لزم الأمر، ونوائم فيما بين تلك الاستراتيجيات لتصبح التزاماً حكومياً شاملاً، وليس مهمة ترتبط بوزارةٍ لعينها وبوزير؛ إذ ان العديد من تلك الاستراتيجيات ليس بالإمكان تحقيقها من قِبل وزارة بعينها، فمثلاً وزارة الإسكان لن تستطيع بمفردها تنفيذ استراتيجية الإسكان، كما أن وزارة العمل بمفردها لن تستطيع تنفيذ استراتيجية التوظيف السعودية.
وأهمية تنفيذ هذه الاستراتيجيات تكمن في أنها هي الأداة لتحسين الأداء والارتقاء بالإنتاجية بتوظيف الموارد البشرية والطبيعية وتحقيق قفزة في النمو والتنوع الاقتصادي. ولا خيار لنا إلا بأن نجعل ذلك واقعاً ملموساً في أقل عدد من السنوات.
ومن ناحية أخرى، فالالتزام بتنفيذ استراتيجية وطنية لا ينبغي أن يتغير بتغير وزير.
نعم، قد تتغير وسائل وخيارات التنفيذ ولكن ليس الاستراتيجية بذاتها، فمثلاً- كذلك- لا فكاك إلا أن نحقق تقدماً في مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، ولا خيار إلا الارتقاء في توظيف الموارد البشرية السعودية، ولا خيار إلا بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للشباب، وبقية القائمة الطويلة من الاستراتيجيات الوطنية، التي يبدو أن بعضها «يموت» كمداً وصبراً.
نقلا عن اليوم