الخلط بين الحقائق والأساطير في أصل تكوين البترول (2 - 2)

05/07/2015 8
د. أنور أبو العلا

النظرية السائدة (بإجماع العلماء) حتى يومنا هذا أن أصل البترول هو أنه تكوّن من بقايا الكائنات الحيّة البرية والبحرية (الحيوانات والنباتات والأسماك) جرفتها حركة الأرض رويداً إلى البحر فغمرتها المياه وتراكمت (انطمرت) طبقة فوق طبقة حيث تعرضت لشدة الضغط والحرارة تحت الماء فاختلطت ببعضها (كالعجينة) وتحوّلت ببطء عبر ملايين السنين إلى ما يسمى fossil fuels (البترول، والغاز، والفحم) الذي يشكل الآن 86.5 % من مصادر الوقود في العالم.

يجب أن نعرف أن الكرة الأرضية مرّت بمراحل عديدة كانت خلالها مغطاة بالغابات الكثيفة تجوبها بالطول والعرض الدواب (كالديناصورات) في أنحاء الكتلة الارضية قبل أن تنشق الأرض الى القارات والمحيطات الحالية فلا غرو اذن ان البترول يوجد (موزع) بكميات متفاوتة في جميع أنحاء الأرض بدون استثناء ولكنها كميات محدودة finite (لا تتجدد) في باطن الأرض.

هكذا نستخلص اذن انه ليس بالضرورة ان يكون بترول الغوار هو حصرا على الغابات والديناصورات والبحار التي وجدت في منطقة الغوار بل قد يكون نتيجة هجرة للبترول بسبب دوران وخلخلة الارض (التي كانت شبه كتلة واحدة) استقرت بالذهب الأسود في منطقة الغوار العظيم.

طبعا هذه نظرية علمية -كجميع النظريات العلمية- قد تكون صحيحة وقد لا تكون فالنظرية تبقى قابلة للأخذ والرد فإذا وصل التأكد منها الى درجة اليقين فلا تسمى نظرية بل تسمى حقيقة.

كذلك يجب ان نعرف ان هذه النظرية ليست هي الوحيدة (ولا الأقدم) عن أصل نشوء البترول بل سبقتها نظريات متعددة بعضها علمية لكنها اندثرت بسبب اقتناع العلماء بنظرية التحول الاحيائي وبعضها (لا سيما اعتبار البترول كالنحاس والمعادن) هي مجرد خزعبلات.

التجارب علمتنا أنه ليس بالضرورة ان تكون عالماً لتزعم بأن لديك نظرية جديدة بل البعض يلتقط فقرات انتقائية من نظرية علمية ليكتب عنها مقالا (او كتابا) زاعما أنه جاء بفكرة جديدة. هذا تماما ما فعله الكاتب الموسمي Jerome Corsi في كتابه المشترك بعنوان: black gold stranglehold (خرافة ندرة البترول) يقول فيه ان النظرية الحالية (التي ذكرناها اعلاه) عن أصل تكوين البترول هي التي جعلت العالم يعتقد خطأ ان البترول مورد ناضب وبالتالي تُبرّر للدول المنتجة للبترول أن لا تنتج الا بالقدر الذي يُحقق أهدافها المالية والسياسية والاستيلاء على ثروات العالم.

الرجل من حقه أن يُعبر كأي كاتب أجنبي عن رأيه وفقا لعواطفه الوطنية ويكفينا أن نظريته لاقت سُخرية العلماء ولم يؤخذ كلامه على محمل الجد. لكن البعض لدينا راقت لهم الفكرة لأنهم معجبون بالمقولة المُهجنة التي تقول: "سينتهي عصر البترول كنهاية عصر الحجر".

لا باس تعالوا نرى ماذا تقول نظرية هذا الرجل عن بترول حقل الغوّار. إنه يقول ان حقل الغوار يتكون من طبقات متعددة multiple strata تمتد عميقا الى قلب الارض حيث يوجد حوض كبير يتجمع فيه البترول منذ بداية نشأة الأرض (قبل وجود الدايناصورات) ومن ثم يندفع البترول بغزارة الى الأعلى محدثا تشققات في الطبقة الصخرية bedrock الاولى متسللاً الى الطبقة الرسوبية الأولى فيكوّن فيها مكامن البترول ثم يندفع الى الأعلى من طبقة الى طبقة مكوناً في كل طبقة رسوبية يمر بها مكامنا للبترول الى ان يصل الطبقة الرسوبية السطحية التي تستخرج ارامكو الآن من مكامنها البترول.

ثم يختتم الرجل رسالته للعالم قائلا ان نظرية ان البترول من أصل أحيائي ناضب خرافة يجب استبدالها بنظرية التفاعل الكيماوي المستمر وبالتالي لا يحق للمنتجين ترشيد انتاجهم بحجة أنه ناضب.

السؤال: ماذا نقول لأناس من أبناء جلدتنا تنطلي عليهم الخزعبلات المُغرضة فيرددونها كالببغاوات ضمن حملة مشبوهة تدعو لاستنزاف البترول تحت شعار: سينتهي عصر البترول كانتهاء عصر الحجر؟.

نقلا عن الرياض