ثمة تركيز في المنطقة العربية منذ العام 2013 على فتح أسواق رأس المال أمام المستثمرين الأجانب، وكان أبرز تطورين ترقية مؤسسات التصنيف الدولية لأسواق الإمارات وقطر إلى مستوى الأسواق الناشئة، وفتح السوق السعودية في 15 حزيران (يونيو) 2015 أمام الاستثمار الأجنبي.
وسال حبر كثير حول الفوائد الكثيرة التي يعود بها فتح أسواق المنطقة العربية أمام المستثمرين الأجانب، كالعمق الذي يمكن أن يعطيه للأسواق والسيولة الإضافية التي ستضخ عبر هذا الاستثمار.
طبيعي أن ينظر المتداول إلى هذه الخطوة نظرةً إيجابيةً في الفترات التي يطغى عليها المنحى التصاعدي للأسعار، لكن وكما لكل إجراء حسناته ومتطلباته، فإن لفتح الأسواق إيجابياته ومحاذيره.
تعود بي الذاكرة إلى العقد الماضي، إلى آراء بعض المحللين والمتداولين خلال الأزمة المالية العالمية، حين راحوا يلقون اللوم على الأموال الساخنة الأجنبية بأنها هي التي حفزت التصحيح الحاد في الأسواق العربية عام 2008، متناسين الفقاعة التي كانت تعاني منها أسواقنا آنذاك.
وقد يكونون هم أنفسهم اقتنعوا اليوم بجدوى الانفتاح، وأصبحوا من أشد المتحمسين لفتح الأسواق العربية.
إن فتح الأسواق العربية ضرورة لا غنى عنها، خصوصاً بعد العولمة التي فرضت نفسها على الجميع وجعلت من الانفتاح شرطاً أساسياً لأي تطور في أي مجال كان.
لكن، في مطلق الأحوال علينا أن نكون على بينة من إيجــابيات الخطــــوات وسلـــبياتها في هذا المجال لنــــقطف ثمارها بالطريقة المثلى ونتحوط من سلبياتها.
لا تزال أسواقنا يافعة مقارنة بالأسواق العالمية، إذ يعود تأسيس أسواق السعودية والإمارات وقطر إلى بداية العقد الماضي، أي قبل 14عاماً.
ومقارنة بحياة الإنسان، يمكن أن نعتبر أن هذه الأسواق لا تزال في مطلع ربيع العمر وهي الفترة الأفضل للنمو في الحياة وإن كان النضوج يبقى هشاً في هذه السن.
ترعرع طفلنا في منزل محصن وأمّنا له الغطاء الدافئ. أوصدنا الأبواب والنوافذ جيداً بهدف حمايته من كل أنواع المضار الأجنبية.
وبالكاد سمحنا له أن يلعب مع أقرب أقربائه، وحاولنا قدر المستطاع أن ننأى به عن المتغيرات المناخية الخارجية. ماذا سيحدث لو فتحنا فجأةً الأبواب والنوافذ على مصاريعيها؟
يبين لنا المثل أعلاه أهمية القيود التي يحددها عدد من أسواق رأس المال العربية قبل فتحها أمام الاستثمار الأجنبي.
خطوة بخطوة وفي شكل تدريجي، ستكتسب أسواقنا الحصانة المطلوبة وستكون قادرة على مواجهة التقلبات الدولية.
إلا أن أسواقنا، ومن دون شك، لن تغفل عما يتوقعه الاستثمار الأجنبي منها وإن استلزم ذلك تدوير بعض من الزوايا لتلائم مجتمعنا العربي وتقاليده.
طبعاً، يتوقع الاستثمار الأجنبي تغطية كافية لأسواقنا من جانب المحللين ومؤسسات التصنيف الائتماني والوجود الفاعل لصانعي السوق وتسهيل عمليات فتح الحسابات والتسوية بين كل الأسواق العربية.
كذلك يتوقع استعمال الأدوات المالية المتطورة كالصناديق المبنية على المؤشرات والمشتقات للتحوط من متغيرات السوق، والتي قد يتطلب نجاحها تشريع طرق خاصة من البيع على المكشوف وتأجير الأسهم، وغيرها من المتطلبات.
إن خطوة فتح الأسواق العربية للاستثمار الأجنبي هي قفزة نوعية وتطلع نحو المستقبل، ولا بد من أن تتكلل بالنجاح، خصوصاً أن هيئات الرقابة وإدارة الأسواق تقيس اليوم خطواتها بحكمة وتأنٍّ، بالسرعة اللازمة من دون تسرع.
ولدى الجميع ملء الثقة بأنها تضع حالياً القطار على السكة الصحيحة من أجل غد يحاكي العالم على أعلى مستوياته.
نقلا عن الحياة