بطالة السعوديين.. غير المنطقية!

03/06/2015 2
د. عبدالعزيز المقوشي

 الأرقام الصادمة التي « تصفعنا بها وسائل الإعلام المحلية بين وقت وآخر حول أعداد الممارسين الصحيين و»أحيانا» الأكاديميين» المزورة شهاداتهم، هي حقا وجه قميء في مشهدنا التنموي الرائع الذي تقوده حكومة هذا الوطن العزيز.. وعلى الرغم من محاولة جهات حكومية كهيئة التخصصات الصحية مثلا التقليل من حجم «المصيبة» إلا أننا كوطن يناضل من أجل أن يكون ضمن العالم الأول «وهو يستحق ذلك بجدارة» يجب ألا نقبل بحدوث مثل هذا الأمر مطلقا خاصة في ظل وجود جامعات الوطن الحكومية والخاصة التي تمتلئ جميعا بتخصصات صحية متنوعة وبمستوى عال من الجودة الأكاديمية والتدريبية وفي ظل وجود شباب طموح صادق وواع وقادر على دراسة كافة التخصصات مظهرا تميزا واضحا وجالبا لشهادات وتقديرات علمية محلية وإقليمية وعالمية..

إذاً أين تكمن المشكلة وما الذي يجعلنا «نبحث» عن عاملين في قطاعات معينة كالقطاع الصحي مثلا في أرجاء الأرض ليملي علينا الآخر شروطه وليتدرب «محدودو» التأهيل وربما «مزورو الشهادات» في أرضنا ثم يتجهون إلى العالم الأول للعمل هناك حاملين شهادات الخبرة والتجربة «عفوا أقصد التدريب!» من وطننا وهو ما أصبح ظاهرة واضحة خاصة في القطاع الصحي حيث يعتبر الكثير من الأجانب العمل في المملكة فرصة للتدريب ومن ثم التقدم للعمل في دول متقدمة كأوروبا والولايات المتحدة الأميركية وكندا! وما الذي يجعل أحد كبار المهتمين والممارسين للعمل الصحي بالمملكة يؤكد في أحد المؤتمرات أن المملكة في حاجة إلى أطباء الطوارئ وستستمر كذلك حتى أكثر من خمسة وعشرين عاما دون قدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني منهم!.

إذا كان ابن الوطن «ذكرا كان أو أنثى» ينهي دراسته الثانوية بتميز ثم «يصدم» بعدم قبوله في المسار الصحي الذي نحن في أمس الحاجة إليه بينما «يدفع» به عنوة إلى تخصصات «يغص» بها الوطن ليضاف بعد عدة سنوات إلى «ركب» البطالة! بينما تتوجه لجان التعاقد كل عام للبحث عن ممارسين صحيين في كافة التخصصات.. فنحن حقيقة في أزمة تخطيطية! وقد كنت كتبت عن هذا الموضوع في هذه الزاوية بصحيفة الوطن الرائدة «الرياض» تسع مرات (20 /1/1434 و 13/1/1434 و 13/4/1433 و 29/3/1433 و 15/3/1433 و 19/ 11/1432 و 14/3/1431 و 23/6/ 1430 و 19/7/1429) بطروحات مختلفة بعضها يتعلق بمشكلة البطالة ودور الجامعات ومراكز التدريب في تفاقمها وبعضها يتعلق بالخلل الموجود بين الحاجة لمخرجات وطنية وسياسات القبول بالجامعات كما كنت تحدثت عن توقعات بحدوث مشكلة اختلال التوازن بين مخرجات الجامعات وحاجة الوطن في الثمانينات الميلادية (1984م) بعد حوار أجريته آنذاك مع معالي الأستاذ خالد بن تركي السديري رئيس ديوان الخدمة المدينة «وزارة الخدمة المدنية حاليا» وكنت ولا أزال أطالب بلجنة وطنية تجمع بين معالي وزراء التعليم والخدمة المدنية والتخطيط والصحة والمالية من أجل معالجة هذا الأمر بحيث يتم العمل على تيسير قبول الطلاب والطالبات لدراسة التخصصات التي يحتاجها الوطن كالمسارات الصحية مثلا ولزيادة القدرة الاستيعابية للجامعات في هذه المجالات وقد أسعدني كثيرا كما أسعد كافة مواطني هذا الوطن العزيز تلك اللقاءات الرائعة السريعة بين أصحاب المعالي الوزراء التي تصب جميعا في مصلحة الوطن كما أبهجني كثيرا التوجه الرشيد الذي تعمل به وزارة التعليم من خلال ربط البعثة بالحاجة الوظيفية بتوقيع اتفاقيات «بعثتك .. وظيفتك» مع عدد من القطاعات مما سيساهم بشكل مباشر في تحقيق الاستقرار النفسي للطالب المبتعث حيث ضمان وظيفته وترشيد مصروفات الابتعاث لتكون لمجالات يحتاجها الوطن العزيز ولتخفيف نسب البطالة بين السعوديين والتي تزداد يوما بعد آخر ولعلي هنا أقترح أن يقصر الابتعاث والانضمام للبعثة للمجالات التي يحتاجها الوطن من خلال التنسيق بين وزارات الخدمة المدنية والتخطيط لمعرفة الحاجة الحالية والمستقبلية وبين وزارة التعليم كجهة مشرفة على برنامج الابتعاث الخارجي كما قد يرى المسؤولون بوزارة التعليم الطلب من مبتعثي الوزارة لتخصصات لا يحتاجها الوطن ضرورة تغيير تخصصاتهم لتلك التي يحتاجها الوطن بدلا من مواصلة دراستهم في تلك التخصصات التي لن يتحقق منها إلا ارتفاع في نسب البطالة مع أهمية قصر برنامج الابتعاث حاليا على تلك التخصصات الي يتم توقيع اتفاقيات مع الجهات التوظيفية من خلال هذا البرنامج المميز «بعثتك.. وظيفتك» فهل نسعى لذلك؟

وهل تفصح وزارة الاقتصاد والتخطيط عن خطط الوطن وحاجاته المستقبلية من الموارد البشرية بحيث يتجه أبناء الوطن لما يضمنون من خلاله مستقبلهم الوظيفي؟ وهل نراجع برنامجنا لإعادة تأهيل الجامعيين في معهد الإدارة العامة وغيره من الجهات التدريبية الحكومية والخاصة؟ أتمنى ذلك.. ودمتم.


نقلا عن الرياض