صعود الشرق وأفول الغرب

26/05/2015 3
صلاح الدين خاشقجي

مع انتصاف القرن التاسع عشر وعلى امتداد القرن العشرين، تظهر الهيمنة الأوروبية على الأحداث بشكل واضح.

فالهيمنة الأوروبية لم تكن عسكرية فقط، فقد كانت أيضا اقتصادية وسياسية وثقافية.

ففي أوائل القرن التاسع عشر، شكل الاقتصاد الآسيوي نحو 65٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

أما أوروبا فكانت بالكاد تمثل 17٪ من الاقتصاد العالمي، هذه النسب كانت مدعومة بنسب تمثيل كل قارة من إجمالي التعداد السكاني العالمي، التي كانت قريبة جدا من تمثيل كل قارة من الاقتصاد العالمي.

أما مع أوائل القرن العشرين فقد انخفضت حصة آسيا من اجمالي الناتج المحلي للاقتصاد العالمي إلى ما زيد قليلا على 20٪ - في حين مثلت 60٪ من سكان العالم - بينما ارتفعت حصة أوروبا مع دول أمريكا الصاعدة إلى أن ارتفع إلى 50٪، ونحو 20٪ من سكان العالم، ما ساهم في علو «الغرب» على «الشرق».

أهم العوامل التي دفعت نحو هذا الصعود السريع الذي لم يستغرق أكثر من مائة عام كانت تبلور الرأس مالية والثورة الصناعية، بالإضافة إلى النزعة الاستكشافية التي قادت الأوروبيين إلى العالم الجديد مع بدايات القرن السادس عشر.

لم تفتقر آسيا إلى الموارد الطبيعية والأطر الاجتماعية ولا حتى إلى التقنية في ذلك العصر لتبتكر الرأسمالية أو الثورة الصناعية.

فقد كانت الصين تعيش عصرها الذهبي مع أسرة منج، والهند تحت حكم السلاطين المغول الذين بنى أحدهم تاج محل، في حين كانت الدولة العثمانية تزدهر تحت حكم سليمان القانوني.

ورغم هذا الازدهار الذي كانت آسيا تعيشه، لكنها لم تسابق الدول الأوروبية إلى اكتشاف أمريكا.

فقد كانت هذه الامبراطوريات راضية بما لديها من ثروات مكدسة ومقتنعة بتفوقها الطبيعي، هذه القناعة والرضا السلبي بما لدينا هو ما أوقف عجلة التطوير والتجديد وحول آسيا إلى بحيرة راكدة.

على الجانب الآخر، نجد أن الدول الأوروبية الأشد فقرا في الموارد وعدد السكان، في شمال وغرب أوروبا، هي من حملت على عاتقها تطوير وابتكار أساليب أكثر فعالية في الصناعة والاقتصاد.

فعملت فرنسا على دفن النظام الاقطاعي وتبني الرأسمالية لأنها توظف الموارد بشكل أفضل، وقامت انجلترا بتبني المحرك البخاري لزيادة القوة العاملة.

أما اليوم - وبعد وصول الهيمنة الغربية إلى ذروتها - فإننا على أبواب قرن آسيوي جديد، ستنتقل فيه ساحة الأحداث المهمة من أوروبا الغربية إلى وسط وزوايا القارة الآسيوية مرة أخرى.

التقهقر الأوروبي لم ينتج عن خلل في العقيدة الاقتصادية بقدر ما هو تشبعها إلى أقصى الحدود بحيث أصبح نموها هامشيا، بالإضافة إلى ذلك، فإن تبني آسيا العقيدة الاقتصادية الغربية بدأ يؤتي ثماره، وهي فوق ذلك مازالت تتمتع بزخم كبير ومساحة هائلة لتصل إلى التوظيف الأمثل لمواردها الاقتصادية، الأمر الذي جعل قوتها الناعمة أكثر تأثيرا من التفوق العسكري الأوروبي مطلع القرن الماضي.

نقلا عن اليوم