كن كبيراً أو اخرج من السوق

24/05/2015 19
د. عبدالله بن ربيعان

في عالم البزنس، كن كبيراً أو اخرج من السوق واسترح في بيتك غير مأسوف عليك، وهذا ما تعنيه قصداً وضمناً المقولة الإنكليزية الشهيرة في البزنس Go Big or Go home.

العبارة شبيهة - مع بعض الاختلاف - بمقولات «من لا يتقدم يتقادم» و«من لا يتطور يتأخر»، التي نستخدمها في العربية في مواضع شتى. وفي عالم الأعمال والبزنس بالذات تكتسب هذه العبارات سواء الإنكليزية أو العربية صدقيتها من الواقع أكثر من أي شيء آخر. فتوقفك عن التطور يعني ضمناً أنك تتأخر وأن الآخرين يتقدمون ويتجاوزونك وأنت واقف مكانك، وتحسب أنك تحسن صنعاً، والشواهد كثيرة.

أيضاً، في عالم البزنس ستشاهد وتقرأ تطبيقات هذه العبارات على أرض الواقع بشكل شبه يومي. ولعل فكرة الاندماج والاستحواذ لتكوين كيانات ضخمة هي أوضح شواهدها في عصرنا الحالي، فالكل يسعى أن يكون كبيراً في عالم لم يعد للصغار فيه مكان.

وعلى سبيل المثال، أعلنت شركتا «هاينز» و«كرافت» الأميركيتان قبل شهرين تقريباً اندماجهما لتشكلان ثالث أكبر مجموعة في أميركا للصناعات الغذائية. ولا بد أنك قرأت أو سمعت العام الماضي عن اندماج شركتي الطيران «أميريكان إيرلاينز» و«يو إس إيرويز» الأميركيتين لينتج من التكتل أكبر شركة طيران في العالم.

وعلى اليد الأخرى، فإن إفلاس «كوداك» الشهيرة التي تسيدت صناعة التصوير في العالم لما يزيد على قرن من الزمان هو أوضح التطبيقات المعاصرة لمقولة إن «من لا يتقدم يتقادم». فالشركة لم تسرع وتسبق للانتقال لعصر التصوير الرقمي، وبالسرعة والتوقيت المطلوب، وكانت النتيجة إفلاس الشركة وخسارة ما يصل إلى 50 ألف عامل لوظائفهم. كما أن الصغار كل يوم يخرج منهم مجموعة من السوق من دون أن يلفتوا انتباه أحد، ومن دون أن يأسف لهم أحد.

في السعودية والخليج، يوجد النفط والبتروكيماويات والأموال الضخمة العائدة منهما، إلا أن صفة «العالمية» و«الكبير» وقيادة الصناعة غير موجودة. فما عدا «أرامكو» فلا تصنيف للخليج في المركز الأول على رغم استحقاقه في المجالات الثلاثة.

وعلى سبيل المثال، في قطاع البتروكيماويات تأتي شركة «سابك» خامساً في التصنيف العالمي، بعد «باسف» و«سينوبيك» و«إكسون موبايل»، و«داو كيمكال»، وهي شركات لا تحصل على الامتيازات التي تحصل عليها «سابك»، وأولها النفط الرخيص.

في المصارف والبنوك، وعلى رغم ضخامة الأموال إلا أنه ليس عندنا أي بنك يصنف قائداً في الصناعة المصرفية لا عربياً ولا خليجياً ولا سعودياً، ولا يمكن بالتأكيد مقارنة أي بنك خليجي بـ«إتش إس بي سي» أو «جي بي مورغان» أو «بي إن آي باريباس» ولاحتى «باركليز» ولا غيرها من مصارف العالم التي لها الريادة. ولأن من عندنا صغار تبقى الخدمات المالية المقدمة صغيرة وغير مؤثرة.

ولعل السؤال هو: إلى متى سنبقى صغاراً مقارنة بالعالم الآخر، على رغم قدرتنا أن نكون ضمن الكبار؟

في السعودية على سبيل المثال، لدينا في قطاع البتروكيماويات «سابك» و«ينساب» و«وبترورابغ» و«كيان» وغيرها من الشركات التي تنتج مواد متشابهة، فماذا عن دمجها؟ وماذا لو اندمجت مع مثيلاتها في الخليج؟ الإجابة بالتأكيد إن قدراتنا ستتحسن وتأثيرنا عالمياً سيكون أكبر.

ماذا عن المصارف أيضاً؟ الإحصاءات تقول إن أصول أكبر بنك عربي «قطر الوطني» تبلغ فقط 83 بليون دولار في مقابل 3.17 تريليون دولار للبنك «الصــــناعي والتجاري الصيني»، الأكبر في العالم.

بل إن أصول أكبر 75 مصرفاً عربياً لا تزيد مجتمعة على 1.4 تريليون دولار، أي أن 75 بنكاً عربياً لا تساوي نصف البنك الصيني. بل حتى لا تساوي أصولها مجتمعة أصول بنك «باركليز» الذي يأتي عاشراً في تصنيف المصارف العالمية بـ2.2 تريليون دولار. والأرقام تعني أن مصارفنا ما هي إلا نقطة في بحر مقارنة بالكبار.

فكرة التكتل والاندماج وكبر حجم المنشأة تكتنفها نظرتان:

الأولى: النظرة الجزئية، وهو أنه كلما صغر حجم المنشأة كلما سهلت إدارتها، وتوجيهها، ومحاربة الفساد فيها، وتقليل سيطرتها واحتكارها، وهي النظرة السائدة في العالم النامي.

الثانية: النظرة الكلية، وهو أنه لتكون قائداً ورائداً في سوق تشهد تنافسية شرسة فعليك أن تكون كبيراً. ولأنه لا يخلق أحد كبيراً، تلجأ الشركات للتكتل والاندماج والاستحواذ لتسيطر وتكون الأولى والقائدة في السوق، وهي النظرة المشاهدة في العالم الغربي.

وما بين أن نبقى صغاراً منفردين أو نتكتل لنكبر ونؤثر، يبقى الموضوع بحاجة إلى النقاش المستفيض والدرس الوافي، لنحدد بعدها أين الوجهة؟ وما هو المصير؟

نقلا عن الحياة