الهيكلة الإدارية والسياسية والاقتصادية التي تمر بها المملكة في عهد الملك سلمان قبل انتهاء أول مائة يوم في حكمه هي "تاريخية" بكل المقاييس لأنها تضع الأسس لحكم الجيل الثالث من أجل "ديمومة" الاستمرار والاستقرار، لذا حظيت هذه الهيكلة والتغيرات بدعم قوي من أفراد الأسرة الحاكمة أنفسهم وبدعم شعبي كبير لثقتهم أن هذه التغييرات قد جاءت ب "الرجل المناسب في الوقت المناسب"، إضافة الى أن هذه الهيكلة تنسجم مع روح القيادة الشابة الحديثة التي حولت الكثير من المجالس واللجان العليا الى مجلسين رئيسيين هما مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ناهيك عن أن التغيير الوزاري الذي صاحبها عمل على دمج قيادات القطاع الخاص في بعض الوزارات الخدمية والاستراتيجية في دلالة واضحة أننا ندخل مرحلة التنفيذ والانجاز، وأن عصراً جديداً يبزغ نوره الآن.
إن هذه الهيكلة والتغييرات هي قوية وجريئة لأنها تحدث والمنطقة المحيطة بنا تمر بعاصفة سياسية واقتصادية غير معهودة، فبينما دول ما سمي بالربيع العربي تترنح تحت حروب طائفية طاحنة، تحاول دول أخرى مثل ايران لعب دور فاسد في مصيرنا وتاريحنا العربي ما يشكل تحدياً اضافياً على المملكة كقائدة للأمة العربية والاسلامية خصوصاً مع تراجع دور دول عربية مهمة مثل مصر.
إن مجرد وجود هذه التحديات الخارجية مع تراجع أسعار النفط بنسبة تجاوزت 50% كفيل بإنكفاء المملكة على نفسها والاهتمام بالداخل والمحافظة على حدودها وأمنها مع دول الجوار، إلا أن المملكة وهي تجري هيكلة داخلية جذرية، لم تتذرع بانشغالها بالداخل، بل جمعت تحالف دولي وأممي وبمباركة من مجلس الأمن الدولي وبدون اعتراض اي دولة في سابقة من نوعها لدعم الشرعية في اليمن.
وفي خضم كل تلك الأحداث وأثناء عاصفة الحزم تحصل المملكة على تنصيف ائتماني قوي من قبل موديز مع نظرة مستقبلية "مستقرة" في تأكيد على القوة المالية والاقتصادية للمملكة، ويرتفع سوق الأسهم السعودية بنحو 18% من بداية العام حتى الآن بينما تشهد معظم أسواق دول المنطقة تراجعات في الأداء في دلالة على ايجابية هذه التغيرات وتأكيداً على الاستقرار السياسي والاقتصادي المتين التي تمر به المملكة.
إن هذه التغييرات والهيكلة لم تقف ولن تتوقف فهي ديناميكية ومستمرة، فهي تصل الى اعادة الهيكلة الادارية والسياسية لقطاع النفط والطاقة والتي تنبئ عن سياسة نفطية سعودية مغايرة لحقب تاريخية سابقة، حيث بدأت بعدم تخفيض انتاجنا النفطي بل وزيادته مع زيادة في عمليات التنقيب والحفر، حيث ارتفعت عمليات الحفر في السعودية حسب بعض المصادر الاخبارية بنسبة 30% منذ مارس 2014 ، بينما تشهد الولايات المتحدة الأمريكية تراجعا كبيرا في هذا المجال.
بل أن السعودية ستبدأ انتاج غاز ونفط صخري بكميات كبيرة العام القادم حسب تصريح نائب زير النفط الحالي الأمير عبدالعزيز بن سلمان حيث أوضح أنه سيتم إنتاج من 20 إلى 50 مليون قدم مكعب من الغاز الصخري في اليوم في عام 2016، تزيد بعد ذلك إلى 500 مليون قدم مكعب في اليوم بحلول عام 2018.
كل هذا في اطار سياسة أن تلبية الطلب على النفط هو الهدف الأول بغض النظر عن الأسعار، والمملكة بذلك تشير الى قوة سياسية واقتصادية ونفطية ترتكز على كونها أكبر دولة منتجة وبطاقة انتاجية نفطية تتجاوز 12 مليون برميل في اليوم، ناهيك عن أن أرامكو هي الأكبر اعتمادية في تبية الطلب العالمي للنفط، وباحتياطات ضخمة تتعاظم مع زيادة استكشافاتها للنفط والغاز الصخري.
وهو ما يضيف أهمية كبرى على دور السعودية المستقبلي في اسواق الطاقة العالمية ويجعلها أكثر تأثيراً على الانتاج والاسعار.
إن ارتفاع أسعار النفط الأخير هو ردود فعل لهذه المؤشرات التي ستجعل من المملكة قادرة على التأثير في أسعار وانتاج النفط متى أرادت.
لذا فإنني لم أكن مخطئاً عندما توقعت عودة أسعار النفط للارتفاع منذ كانت 48 دولارا للبرميل في نهاية يناير، ولن أستغرب أن تصل 90 دولاراً في النصف الثاني من العام.
إننا نستشهد بالسياسة النفطية هنا في دلالة على أن هذه التغيرات التي حدثت في عهد الملك سلمان قد بدأت تؤتي أكلها بالفعل في السوق النفطية.
وعلينا الانتظار من سنتين الى أربع سنوات حتى نرى الآثار الفعلية للتغييرات الادارية والاقتصادية والسياسية الأخيرة، وهي الفترة التي بدأت الوزارات الخدمية بوزراء جدد، وبدء العمل الفعلي لمجلسي الشؤون السياسية والشؤون الاقتصادية.
نقلا عن الرياض