طريق العودة إلى ارتفاع أسعار البترول 2-2

19/04/2015 0
د. أنور أبو العلا

المفاجأة التي لم أكن أتوقعها هو اكتشافي -خلال متابعتي المتأنية للمسار الزمني لمؤشر الدولار- أن أسعار البترول لم ترتفع قط إلى -أو حتى مجرد تقترب من 100 دولار للبرميل- إلا خلال الأعوام من 2011 إلى منتصف 2014 (ثلاث سنوات ونصف) عندما كان مؤشر الدولار خلالها في الحضيض (القاع) محصورا بين 69.02 - 76.32، وهو أدنى مستوى وصل إليه مؤشر الدولار على مدى الخمس وأربعين سنة -منذ عام 1970 إلى يومنا هذا-.

كذلك لقد كان مؤشر الدولار معظم وقته طوال سنوات عمره القريبة من نصف القرن فوق 90 مما يجعلني لا أستبعد أن يواصل المؤشر الآن صعوده إلى 100 وربما أعلى لا سيما إذا تم في يوليو القادم -كما هو متوقع- رفع الفائدة على الدولار.

واضح كل الوضوح من الكلام أعلاه أن العلاقة بين سعر البترول ومؤشر الدولار علاقة وثيقة أكثر كثيرا مما يعتقده الكثيرون، وواضح أيضا أن انخفاض مؤشر الدولار إلى 70 هي حالة نادرة لم تحدث قط إلا مرتين أولهما في ابريل 2008 حيث ارتفع إثرها سعر البترول لسنة واحدة إلى 97 دولاراً، وثانيها في يوليو 2011 حيث ارتفع إثرها سعر البترول إلى 111.2.

السؤال الآن هو، هل معنى هذا أن مؤشر الدولار سيواصل صعوده أو على الأقل سيبقى طويلا عند مستواه الحالي يتراوح بين 86.5 - 98.6 وبالتالي ستبقى أسعار البترول طويلا محصورة بين 75 - 55 دولاراً للبرميل، وربما أقل أحيانا طوال الأعوام 2015 - 2020؟ 

الجواب: لا ليس بالضرورة، فأنا شخصيا أشعر بأنه يجب عليّ أن أجد مخرجا علميا يجعلني أبرر قولي في مقال سابق بأن أسعار البترول ستعود إلى بين 100 - 120 دولاراً للبرميل.

نعم يوجد احتمال كبير -أدعو الله "فادعوا معي" أن يتحقق بسرعة-، وهو حتى في حالة بقاء مؤشر الدولار مرتفعا فقد يؤدي ارتفاعه كما هو متوقع إلى زيادة واردات أميركا من منتجات الدول الصناعية الأخرى (اليابان، كوريا، الصين، النمور، بل وحتى أوروبا) كما كان يحدث دائما في الماضي كلما يرتفع سعر صرف الدولار بالنسبة لعملات الدول الرئيسية فيؤدي إلى زيادة الصادرات من هذه الدول إلى أميركا، وبالتالي حدوث الفوائض في موازينهم التجارية فترتفع معدلات نمو اقتصاداتهم ومن ثم ينتعش طلبهم على البترول فتعود أسعاره للارتفاع تدريجيا في اتجاهها إلى 100 - 120 دولاراً للبرميل.

الشيء المؤكد تاريخيا أن ارتفاع سعر صرف الدولار في الماضي لعب دوراً إيجابياً في انتعاش الصناعات الآسيوية على حساب تباطؤ الصناعات الأميركية، كذلك أدى إلى انتقال رؤوس الأموال الأميركية إلى آسيا للاستثمار في الدول الآسيوية مما أدى إلى طفرة اقتصادية فيما أصبح يسمى النمور.

لكن لكي يكون بحثنا مكتمل الجوانب يجب أن نذكر أنه يوجد احتمال -رغم أنه مستبعد- إلا أن التاريخ قد يعيد نفسه فيرتفع مؤشر الدولار إلى 120 كما حدث عام 2002 أو حتى إلى 144.5 كما حدث عام 1985، وفي هذه الحالة رغم أنها لن تطول -أقل من سنة- إلا أن تأثيرها -مع بقاء العوامل الأخرى ثابتة- سيؤدي إلى انخفاض كبير في الطلب على البترول قد يكون سبباً -لا قدر الله- لوقوع الدول المصدرة للبترول فيما يسمى فخ الإيرادات المستهدفة target revenue trap كما حدث في الثمانينيات.

في زاوية الأحد القادم -إن شاء الله- سنناقش موضوع فخ (أو مصيدة) الإيرادات المستهدفة.

نقلا عن الرياض