كتبت مقالاً -هنا- منذ أكثر من عام، وتحديداً في تاريخ 21/ 2/ 2014م وكان تحت عنوان «الصناعة بوزارة مستقلة أفضل لمستقبلنا»، وذكرت فيه أن الصناعة من القطاعات التنموية التي تحدد القيمة الاقتصادية لكثير من دول العالم، وبها ارتقى كثير من الاقتصاديات المعاصرة أعلى مستويات التطور التنموي، وذلك ما جعل الدول المتقدمة تركز عليها منذ قيام الثورة الصناعية في الغرب، حتى أن العناية بها كانت من صميم الخطط الاستراتيجية هناك، كما أن النمور الآسيوية أصبحت دولا صناعية؛ لرغبتها وإرادتها في ذلك، فاعتمدت برامج علمية للوصول إلى وضع تصنيعي يضعها في مقدمة الاقتصاديات العالمية، وذكرت أننا في حاجة -اليوم- وبصورة عاجلة إلى النظر في فصل الصناعة بوزارة مستقلة، نظراً لكون الصناعة بالنسبة للمملكة خيارا اقتصاديا وإستراتيجيا مهما!.
اليوم أثناء تصفحي لجريدة اليوم، سررت بقراءة المطالبات التي جاءت من بعض رجال الأعمال في المنطقة، ومفادها أنهم يدعون إلى فصل قطاع الصناعة عن وزارة التجارة؛ لشعورهم بأن ذلك أصبح -الان- الخيار الاقتصادي والإستراتيجي للمملكة، ومن خلال متابعتي لهذا الموضوع الهام، اطلعت على تصريح في جريدة اليوم لأحد الخبراء بتاريخ 25/ 3/ 2015م أي بعد أكثر من عام على نشر مقالي، يقول فيه:
إنه في ظل وجود الخطة الوطنية للصناعة 2020 وتنميتها، لم تصل الصناعة إلى المستوى المطلوب رغم ما توفره الدولة من تسهيلات ودعم مالي، وأن تأثيرها على الناتج المحلي الإجمالي لا يزال في حدود 13.5% مع الإستراتيجية الصناعية الوطنية التي تتطلب في عام 2020م نسبة مساهمة تبلغ 20%.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا تأخرنا في البت في هذا الأمر الملح، بينما لدينا القدرات اللازمة لنصبح قوة صناعية اقتصادية لها وزن مستحق أكبر من وزنها الحالي؟!.
هناك عدة أسباب تجعل الأولوية للصناعة في بلادنا مقدمة على التجارة، منها أن المملكة أصبحت شريكا إستراتيجيا في عدد كبير من الدول على مستوى العالم، وأن المملكة أصبحت عضواً فاعلاً في «دول العشرين» الاقتصادية الكبرى، كما أن المملكة عضو في منظمة التجارة العالمية، ومنها أن المصانع المنتجة في المملكة بلغ عددها (6.789) مصنعا، والمصانع التي لم تدخل الإنتاج بعد بلغ عددها (1.123) مصنعا، ومنها أيضاً أن المملكة تعيش طفرة سكانية بلغت أكثر من 30 مليوناً، وتوسعت توسعاً حضرياً مبهراً، واستتبع ذلك توسع عمراني مذهل، حتى أن الضواحي والقرى أصبحت مدناً، وانتشرت في أرجاء البلاد الأسواق والمجمعات التجارية، وهذا -من الطبيعي- يحتاج إلى مراقبة متفرغة للأسعار والتركيز وتوفير السلع والخدمات من قبل وزارة التجارة، ومنها كما قال عضو مجلس إدارة الغرفة التجارة بالمنطقة الشرقية المهندس عبدالله الزامل في رأيه عن فصل وزارة الصناعة عن وزارة التجارة: «حصول الصناعة على تركيز أكبر وسياسة مستقلة عن التجارة».
في المقابل هناك أصوات تطالب بالابقاء على الوضع كما هو عليه وفق نظرية «لا تحرك ساكناً»، منها صوت أخي رجل الأعمال هاني العفالق، الذي يرى أن بقاء قطاعي التجارة والصناعة في وزارة واحدة يُعد من صالحَيْهما، وربما في هذا الرأي بعض الحكمة؛ لكون الصناعة والتجارة مكملتين لبعضهما، ولكن أقول هنا:
الصناعة هي الأساس الذي ينتج، والتجارة ليست الأساس المنتج بل هي مكملة للصناعة، وبجعل الصناعة في وزارة مستقلة نحقق أهدافنا التي تقول:
إن الصناعة أصبحت أو ينبغي أن تكون في الوقت الراهن خيارنا الاستراتيجي.! وأن المملكة لن تكون خارج الدول الصناعية إلى الأبد.
في حالة الاهتمام بالصناعة «أولاً» ستكون بلادنا من الدول الصناعية؛ وبهذا نتمكن من منافسة المنتجات المستوردة بمنتجاتنا المحلية، وهذا يحتاج إلى وضع الأولوية للصناعة بدلاً من أن تكون للتجارة، وبذلك، وبحكم ثقلنا الاقتصادي والحجم الاستهلاكي الكبير ستكون المملكة من الدول الصناعية، وما يؤكد ذلك ما قاله سمو أمير المنطقة الشرقية الأمير سعود بن نايف -مؤخراً- من أن الدولة تولي اهتماماً خاصاً بالقطاع الصناعي كتوجه استراتيجي لجعل المملكة دولة صناعية رائدة، وأن المملكة أصبحت الوجهة المفضَّلة للمستثمرين العالميين والمحليين، بفضل المناخ الاستثماري الجاذب الذي توفره الدولة لاستقطاب شركات ومصانع كبرى ذات قيمة مضافة تُسهم في زيادة معدلات النمو الصناعي، وبناء قاعدة صناعية وطنية، فهل هذه المبررات تكفي لأن نسعى إلى التحول إلى دولة صناعية أم ننتظر؟!
نقلا عن اليوم