البحث العلمي له أهمية قصوى في تقدم الدول، فهو الاساس الذي يقوم عليه الاقتصاد المبني على المعرفة، وقد دعمته حكومتنا الرشيدة بسخاء، فموازنة الدعم للإبحاث العلمية تبلغ حوالي 1% من الناتج الاجمالي الذي يصل إلى تريليوني ريال، وهو الأعلى عربيا، كما ان لدينا أكثر من 32 مركزا بحثيا وأكثر من 30 جامعة تحتوي على مراكز بحثية، ولدينا مراكز في المستشفيات والشركات الكبرى وكذلك اسهامات القطاع الخاص بدعم (الكراسي) العلمية في الجامعات، ولا عجب ان تتصدر المملكة الانتاج العربي في البحوث العلمية حيث إنها تزيد على 30% من انتاج الدول العربية مجتمعة.
لا شك أن جامعاتنا قطعت مشوارا طويلا في البحوث العلمية، ولكن بعض هذه الأبحاث تكون (في حقيقتها) من أجل الترقيات أو من أجل برامج التخرج، ومنها ما هو من أجل الأبحاث العلمية الصرفة المنتجة، إلا انه - في الغالب - حبيس الأرفف والأدراج، بينما يفترض تحويله من أبحاث علمية وصفية و(تنظيرية) إلى أبحاث تجريبية تطبق على أرض الواقع، وحين نتحدث عن الأبحاث العلمية التجريبية، فلا بد أن نذكر مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، فهي جهة بحثية لها ثمرات جيدة ولها ميزانية تصل الى حوالي 2 مليار ريال، وهي تدعم البحث العلمي وتمويله كما تدعم الجامعات في هذا المجال، ثم إن مدينة الملك عبدالعزيز تهدف إلى أن تكون المملكة في مقدمة دول منطقة الشرق الأوسط في مجال العلوم والتقنية والابتكار بنهاية عام 1440، وهذا ممكن، لأنها المدينة التي فكت (شفرة) النخيل كما فكت (شفرة) الجمال، وقامت بتنفيذ البرامج التي تحمينا من الإشعاعات، وصنعت 12 قمرا صناعيا للاتصالات ومراقبة الأرض، وحققت 14 مجالا للبحوث كانت الأولوية فيها للمياه ثم الطاقة بشكل عام، وهي المدينة التي قالت: سنصدر الطاقة الشمسية للعالم كما صدرنا البترول، وهذه المدينة العريقة تعمل منذ 25 عاما في مجال الابحاث المتعلقة بالطاقة الشمسية، وقد استفادت من هذه الطاقة في تحلية المياه وايصال الطاقة للمناطق النائية في شمال المملكة وجنوبها، وطورت نوعا جديدا من ألواح الطاقة الشمسية تدخل في تقنية النانو، كما طورت اساليب ترشيح المياه (الفلترة)، وحققت في برامج الابتكار الدولي مركزا مميزا عالميا وهو المركز (44) من ضمن 125 دولة.
بلادنا (مولدة) للمبادرات العديدة التي لا تتوقف، فمنذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- والمبادرات تتوالى، وكان احدثها مشاريع (نيوم) العالمية التي كشف عنها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» والتي ستكون بحجم استثمارات يصل إلى 500 مليار دولار، وسيكون من ضمن مشاريعها (مراكز أبحاث عالمية).
زبدة القول هي ان ثمار مراكز البحوث العلمية في بلادنا قد أينعت وحان قطافها وزرع البذور من جديد، لنحصد من جديد، وقد قيل لكلِ عملٍ مبدع بداية، ولكن ليس لأيِ عمل مبدع نهاية، ومن هذه المنطلقات، ولتكتمل الرؤية وينتشر الإبداع، أرى انه قد آن الأوان لإنشاء هيئة (للبحث العلمي)، لتكون المرجعية التي تخدم كافة الجهات البحثية وتصبح المظلة الجامعة الموحدة لجميع المراكز والمغذي العلمي لجميع المبادرات الكثيرة والكبيرة التي أطلقناها، وفي نظري ان هذا سيحقق لنا الاستفادة القصوى من الجهود البحثية كما ينبغي.
نقلا عن اليوم