بعد ست سنوات من الأزمة المالية العالمية، لا تزال أسواق الأسهم الأمريكية تحقق ارتفاعات متتالية، مسجلة رقماً قياسياً جديداً مرة كل ربع سنة على الأقل.
أهمية أسواق المال والأسهم الأمريكية يكمن في انعكاس حالها على الاقتصاد العالمي إجمالاً.
ولذلك فإن كان تسجيل مؤشر SP500 لأرقام قياسية جديدة ليس إلا فقاعة جديدة، فإن علينا أن نكون في غاية الحذر والتحوط لما يمكن أن يحصل في حال انفجرت هذه الفقاعة.
فالفقاعة السعرية التي تمر بها أسواق المال والأسهم الأمريكية ليست وليدة مرحلة ما بعد الأزمة المالية العالمية، إنما هي تراكم فقاعات سابقة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.
بمجرد الرجوع إلى أدنى مستويات مؤشر SP500 وقت احتدام الأزمة المالية العالمية في العام 2009 سنجد أن المؤشر قد ارتفع بما يقارب الثلاثة أضعاف حتى اليوم.
الأمر الذي يؤكد أن ما تمر به أسواق المال والأسهم الأمريكية اليوم من طفرة سعرية وحالة نشوة غير مسبوقة ليس إلا فقاعة.
فتسجيل ارتفاعات وأسعار تاريخية جديدة لا يتماشى مع التعافي الاقتصادي البطيء الذي يمر به الاقتصاد الأمريكي والعالم ككل.
وبالنظر إلى مستويات مكرر ربح شيلر (يتميز مكرر ربح شيلر عن مكرر الربح البسيط أنه يأخذ متوسط العائد الحقيقي لدورة اقتصادية كاملة تمتد على مدى عشر سنوات) سنجد أنه يحلق فوق مستوى 25 عاما على مدى العقدين الماضيين.
وسيظهر نفس الانحراف والتضخم كذلك عند استخدام معامل القيمة السوقية إلى إجمالي الناتج المحلي لنفس الفترة. فكيف تكونت هذه الفقاعة؟
الفقاعة الحالية ليست جديدة فهي مجرد اختزال للطفرات الثلاث السابقة التي قام الاحتياطي الفيدرالي بتفادي انفجارها، بل وحتى رعايتها في بعض الأوقات.
فمنذ فقاعة أسهم التكنولوجيا في منتصف التسعينيات، قام جرينسبان بتخفيض أسعار الفائدة لتحفيز السيولة على البقاء في أسواق المال.
ثم ما لبثت أن تكونت فقاعة الرهن العقاري والتي تضخمت بدورها لتتكشف عن الأزمة المالية العالمية، والتي تم تفاديها ببرامج التخفيف الكمي أو ضخ المزيد من السيولة النقدية في الاقتصاد لتحفيز الطلب.
أهم ما يميز فقاعة اليوم، هي أنها تشمل كافة قطاعات الاقتصاد التي لها ارتباط بأسواق المال.
فنجد أسعار الأسهم والسندات بعيدة عن قيمها العادلة.
بالإضافة إلى ديون برامج التعليم الجامعي وبعض العقارات، وأخيرا شركات التكنولوجيا الناشئة، والتي باتت تطرح للتداول بأسعار تجعل من قيمتها السوقية تفوق بضع مليارات من الدولارات.
فهل يساعد هذا التوسع في القطاعات على تفادي انفجار الفقاعة؟ لا أعتقد ذلك.
الداعم الأهم لأسواق المال في العقدين الماضيين هو المال الرخيص.
وبمجرد عودة أسعار الفائدة للارتفاع مجددا سينحسر تدفق الائتمان إلى أسواق المال.
ويمكن لهذه الفقاعة أن تنتهي إما عن طريق فشل أسواق الدين، ما قد يفتح ملف الديون السيادية، أو أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بتفجير الفقاعة، كما فعل فولكر في منتصف السبعينيات عند مكافحته لانفلات الأسعار، مجبرا أسواق المال إلى هبوط اضطراري عنيف.
فالخلاصة إذن هي أن التصحيح قادم لا محالة.
نقلا عن اليوم
مقال جميل شكرا للاستاذ صلاح