أزمة السكن التي نعايشها مثال صارخ لعدم توفير البيانات الدقيقة، حتى عندما يتعلق الأمر بأكثر القضايا حساسية، يظهر ذلك في بعض ما يعرض في التصريحات والندوات المخصصة حول الإسكان؛ فذات الأرقام المتقادمة يتكرر استخدامها.
والإحصاءات الدقيقة والمحدثة مطلوبة ليس فقط لإشباع الفضول بل لسبب أهم، وهو:
ترشيد اتخاذ القرار وإدارة التوقعات سواء على المستوى الرسمي أو من قبل المستثمرين والمهتمين.
ولا يقتصر الأمر على غياب البيانات، بل كذلك على اتساق الحلول، فمثلاً ليس واضحاً لمَ لمْ تكتمل قنوات التمويل العقاري بعد صدور حزمة النظم ذات الصلة؟
ولماذا الاستمرار في الترخيص للبنوك لتقديم التمويل العقاري وعدم الإصرار لاستقلالية هذا النشاط؟ لعلنا بحاجة لإعادة هندسة الجهود، لتكون أكثر بساطة وفاعلية، ولكن كيف؟
في الأسابيع القليلة الماضية، استجدت أمور مؤثرة في قضية السكن، منها: فرض رسوم على الأراضي البيضاء ضمن النطاق العمراني، ومنها كذلك تسارع وتيرة منح القروض من قبل صندوق التنمية العقارية للعام 2015، حيث صدرت قائمة بأكثر من 7300 قرض في فبراير و6000 قرض في مارس، ويتوقع صدور نحو 5000 قرض خلال الشهر الحالي (أبريل).
ومن يحصل على القرض حالياً يكون قد مكث على قائمة الانتظار أكثر من عشر سنوات، وتحديداً من رمضان 1425هجرية! هنا هي نقطة الارتكاز للحل، ولا أقول إنها النقطة الوحيدة بل النقطة الارتكازية، بمعنى أن "مؤشر الأداء الرئيس" هو فترة الانتظار التي يقضيها المتقدم للحصول على قرض.
ولا بد أن نستهدف تقصيرها لتصل إلى ما لا يزيد على ثلاثة أشهر. هذا مؤشر واضح بسيط لا يستغلق على الفهم وليس لحاجة لأية إيضاحات من أي نوع، فقط تعلن فترة الانتظار وسنعرف جميعاً في أي اتجاه نسير.
ولا يوجد من يُصرّ أن يقتصر تقديم القروض على صندوق التنمية العقارية، بل يمكن كذلك أن تساهم المؤسسات التمويلية. لكن أية مؤسسات تمويلية؟ لا بد من إعادة النظر في إبعاد البنوك التجارية عن التمويل العقاري، وإن كان ولا بد فمن خلال مؤسسات منفصلة تماماً، كما حدث في فصل نشاط التأمين عن المصرفية التجارية، فكان لزاماً على البنوك الراغبة في الاستفادة من سوق التأمين الواعد بصورة أو بأخرى أن تؤسس شركات مساهمة تطرح طرحاً عاماً.
ولا بد كذلك أن نستفيد من تجربة خلط الأوراق بين المصرفية التجارية ومصرفية الاستثمار، التي كان الجميع تحت الانطباع بأنها ستفصل ثم وجدنا كل بنك من بنوكنا التجارية "يتأبط" شركة مصرفية استثمارية خاصة به وتحمل اسمه وكل خصائصه الوراثية بما في ذلك التشابه العجيب حتى في الشعار، والمبيعات المتبادلة (cross selling)، مما جعل شركات الاستثمار (اليتيمة) في وضع تنافسي غاية في الصعوبة.
والدرس المستفاد هنا، أن هناك ما يبرر فصل ممارسة التمويل العقاري عن المصرفية التجارية والتفريق بينهما في المضاجع فصلاً تاماً وباتاً؛ لاعتبارات كثيرة ليس أقلها أن هيكلية المخاطر غير متجانسة بين الصناعتين، فملجأ التمويل العقاري هو السوق المالية، فيما أن مرتكز المصرفية التجارية هي الودائع!
والمقترح أعلاه، اتاحة المزيد من التمويل العقاري بسعر متدن، هو الحل الذي في المتناول لتلبية ما يعرف بـ «الطلب المكبوت» (suppressed demand)، إذ يبدو أننا -كمجتمع- بذلنا جهداً هائلاً واستغرقنا وقتاً طويلاً بغية التصدي لمشكلة وسط نقص فادح في المعلومات؛ فمن منا يعرف ما عدد المنازل المعروضة في السوق السعودي موزعة على الحواضر ووفقاً لنوع المسكن؟ ومن يملك هذه البيانات محدثة حتى نهاية الشهر الماضي؟
أطرح هذه الأسئلة بسبب أن جلّ ما ينشر حول موضوع السكن في المملكة يرتكز إلى بيانات متقادمة. كثيرون يشيرون إلى ما نادت به وتستهدفه الخطة الخمسية التاسعة، والآن العاشرة، وحان الوقت للحديث عما حققته الخطة وليس عما تستهدفه، ثم أنك عندما تزور موقع وزارة الإسكان (على الانترنت) تجده "خالي الذهن" من أية بيانات حديثة حول قضية الإسكان، ما ستجده خارطة المملكة موزعة إلى مناطق إدارية تبين مشاريع الوزارة. وفي المقابل لدينا طلبات موثقة بإحصاءات تفصيلية لدى صندوق التنمية العقارية، فلننطلق منها لنوجد حلاً لمشكلة، وليس مزيداً من فرص تكديس الفرص في "حجر" بنوكنا التجارية.
نقلا عن اليوم