كمرض أو وباء «كورونا»، البطالة تؤرّقنا، فالتشخيص والحلول صعبة ودون علاج، وننتظر المستقبل.
هل البطالة هي المشكلة؟ أم أن نوعية الوظائف المتاحة هي المشكلة؟
هل جميع من يعمل الآن بأفضل حال من البطالة؟ أليست السعودة الوهمية والوظائف المتدنية تثير اهتمام الدولة؟ ...
يتحدث البعض على أن البطالة اختيارية والبعض يقول إن الشباب ليس جدياً في البحث عن الوظائف والانضباط بها، والبعض يردد بأن السعودي يريد أن يبدأ مديراً.
بعد ما بذلته وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية، تحدث صندوق تنمية الموارد البشرية أنهما عقدا خلال عام واحد 477 لقاءً وظيفياً في الرياض وجدة بعد دعوة 4120 شركة للمشاركة في (إغراء) المسجلين في برنامج حافز والطلب على الوظائف والبالغ عددهم 343 ألف شخص، ولم يحضر إلا 16 ألف شخص، ولم يتم توظيف أكثر من 8 آلاف شخص.
السؤال هل الشعب لا يريد أن يعمل؟ لماذا لم نتسائل عن السبب، ونعالجه؟
لماذا تدعم الدولة الشركات التي توظف السعوديين وتحرص على إبقائهم في الأعمال بمكافآت وتدفع نصف الرواتب؟ لماذا تدعم الدولة الذين يلتحقون بالوظائف؟
هل هناك دول تعمل مثلنا؟ جميع هذه الأسئلة وغيرها الكثير يجعل الموضوع محيّر ويجعل من الحلول المطروحة إخفاقات في الوصول للهدف، فلا عجب فالحلول المطروحة لم تكن ترتقي لحل المشكلة من الأساس.
أعمال التوظيف الحالية في القطاع الخاص هي فقط إقحام للشباب والشابات كيفما اتفق، وبها عدة مشاكل، (أولاً) هو فقط تخلص من العبء لتحسين أرقام البطالة، (ثانياً) هذه الوظائف لا تضيف لتنمية البلد فهم لا ينتجون ما يصدّر ولا ما يقلل من الاستيراد، (ثالثاً) هي وظائف متدنية ورواتبها ضعيفة وستخلق مشاكل مستقبلًا بعد أن يتزوج الموظف ولا يستطيع استيفاء ملتزمات حاجيات العائلة بالراتب الضعيف، (رابعاً) إحلال الوافد بسعودي يرفع من قيمة المنتج في ظل غياب الآليات لحماية المستهلك من رفع الأسعار، (خامساً) الوظائف المطلوبة كثيرة والبطالة في تزايد والقادمون في تزايد أكثر وغياب تام لاستمرارية الآليات الحالية لعلاج البطالة.
الشاب السعودي بحاجة إلى راتب 8000 ريال شهرياً كحد أدنى ليسكن بشقة إيجارها 24000 ريال سنوياً، حيث أن أكثر من 25% من الراتب يجب أن لا يصرف على السكن، وإلا هناك خلل في تركيبة الراتب ومستوى المعيشة، وكذلك المواصلات يجب أن لا يُصرف عليها أكثر من 10% من الراتب حسب المعايير المدروسة محلياً وعالمياً ولذلك، يجب خلق فرص وظيفية للسعودي بحد أدنى للأجر الشهري 8000 ريال بشرط أن يكون ذلك عادلا من قيمة المنتج وليس رفع الراتب لأن الموظف سعودي فهذا ليس مستدام وبه خلل اقتصادي وانعكاس على سعر المنتج ودخل الموظف.
النموذج الألماني عالج مشكلة شبيهة بذلك، حيث تخصص في تطوير الصناعات والخدمات بحيث ينتج القطاع الخاص سلع ذات قيمة عالية مثل (سيارات مرسيدس بنز و BMW وأودي فلوكسواجن، خدمات طبية متقدمة، أجهزة طبية متقدمة، صناعة معدات متقدمة، أجهزة عالية الدقة، تكنولوجيا واتصالات مثل شركة سيمنز وشركة SAP).
جميع هذه المنتجات (صناعية وخدمية) أوجدت وظائف متقدمة وذات رواتب عالية، وبذلك الموظف الألماني يحصل على وظيفة ذات مرتب عال وهو ليس عبء على المنتج ولا على صاحب الشركة ولا على الدولة، ويجب أن نذكر أن ألمانيا أحسنت التحكم في التضخم للأسعار، في ظل الرواتب المرتفعة.
ومما يجب ذكره أيضاً، متوسط رواتب جميع من يعمل في صناعة السيارات في ألمانيا يحصل على مرتب 60 دولارا بالساعة مقارنة بـ 30 دولارا بالساعة بمثيله بأمريكا، ومع ذلك فإن قيمة صادرات السيارات في ألمانيا وصلت إلى 154 مليار دولار عام 2013 وهو يساوي مجموع قيمة صادرات اليابان وأمريكا معاً من صادرات السيارات لنفس الفترة، والمهم هنا هو (أولاً) ألمانيا طورت الصناعات والتي من خلالها أوجدت وظائف برواتب عالية يقابلها إنتاجية للموظف، (ثانياً) المبالغ العالية التي تدخل على ألمانيا من الخارج كعوائد لهذه المبيعات الضخمة للسيارات فقط فهي تعادل أكثر من دخل المملكة المتوقع من النفط لعام 2015.
الآمال في مجلس الاقتصاد والتنمية أن ينتبه إلى أن حلول البطالة المطروحة لن تكون مجدية أبداً وستزيد من المشكلة مع مضي الوقت، والحلول يجب أن تأتي بنوعية الخدمات والصناعات التي يجب أن تعمل عليها المملكة بعد تطوير هذه القطاعات من قِبل الوزارات المعنية والتي من خلالها تقود القطاع الخاص لرفع مستوى مخرجاته ومنتجاته وبذلك تُخلق الفرص الوظيفية المناسبة.
نقلا عن الجزيرة