«التيسير الكمي» أربعة في واحد

29/03/2015 2
د. عبدالله بن ربيعان

بدأت أوروبا أوائل الشهر تطبيق خطة «التيسير الكمي»، (الإنعاش النقدي)، بضخ ما يزيد على تريليون يورو حتى أيلول (سبتمبر) 2016، وبدورها ما زالت اليابان في برنامج «التيسير الكمي» الذي بدأته في نيسان (أبريل) 2013، لضخ الأموال بوتيرة سنوية مقدارها 80 تريليون ين، وعلى رغم أن «المركزي» الياباني لم يحدد موعداً لإنهاء برنامجه لـ«التيسير الكمي»، ثمة مؤشرات إلى قرب انتهاء البرنامج بعدما سجّل الاقتصاد نمواً بلغ 1.5 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي.

ويتذكر الجميع أن مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي استخدم «التيسير الكمي» مرات بعد الأزمة المالية العالمية، بدءاً بالخطة الأولى في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، وانتهاء بالأخيرة التي انتهت قبل شهرين من نهاية العام الماضي، وجرى ضخ نحو 4.4 تريليون دولار قبل إعلان المجلس نهاية 2014 وقف الخطة، ليبدأ التمهيد لعكس اتجاه السياسة التوسعية برفع سعر الفائدة، التي بدأت بتخليه عن كلمة «الصبر» في شأن الخطوة في اجتماع الأسبوع الماضي.

ما حدث ويحدث في الاقتصادات الثلاث الكبرى (أميركا، أوروبا، واليابان) من فرط في طباعة النقد، يعني في المقابل ضعفاً - أو خفضاً على الأصح - لقيمة العملة للخروج من دوامة الركود والانكماش إلى دائرة الانتعاش والتضخم الموجب.

ويبقى السؤال: لماذا تلجأ الدول الكبرى إلى «التيسير الكمي»؟ والإجابة أن السياسة القديمة للدول هي التدخل في سوق العملات الأجنبية بشراء عملتها وبيعها للتحكم في قيمة صرفها في مقابل عملات الدول الأخرى.

لكن هذه السياسة تعني أن الدولة تركز على تعزيز صادراتها فقط، وبالتالي تسعى إلى أن تكون صادراتها رخيصة عند الآخرين من خلال خفض عملة البلد المصدِّر في سوق العملات الأجنبية.

لكن الدول الكبرى لم تعد تلجأ إلى هذه السياسة للتأثير مباشرة في قيمة عملاتها بالشراء والبيع، إذ توقفت المصارف المركزية الأميركية والأوروبية واليابانية عن فعل ذلك منذ 2007، وبدلاً من ذلك لجأت إلى التدخل غير المباشر عن طريق سياسة «التيسير الكمي»، من خلال خفض سعر الفائدة وطباعة مزيد من الأوراق النقدية، وهذه السياسة يمكن تسميتها (أربعة في واحد)، فهي تشجع معدلات الإنفاق الداخلي وتزيدها، وتعزز الاستثمار الداخلي، وترفع سوق الأسهم، وتجعل صادرات البلد أقل كلفة عند الآخرين.

وبالتأكيد، وحتى وإن كانت هذه الدول الثلاث تريد زيادة صادراتها التي هي هدف واحد من أربعة أهداف لـ«التيسير الكمي»، إلا أن السؤال أيضاً: إذا كانت أميركا ودول اليورو الـ19 واليابان كلها تريد زيادة صادراتها، فمن سيستورد؟

كان التعويل سابقاً على ألمانيا ودول الخليج العربي والصين، إلا أن الأوضاع ليست مهيأة حالياً في هذه الدول لاستقبال صادرات العالم، فألمانيا نفسها تسعى لتكون المستفيد الأول لزيادة صادراتها بعد خفض قيمة اليورو، ولن تسعف أسعار النفط المنخفضة دول الخليج لتلعب دوراً كمستورد كبير لمعظم ما ينتجه العالم.

أما الصين، فعلى رغم أنها مستورد شره لمدخلات الإنتاج، إلا أن «التنين الأحمر» ليس في أحسن حالاته الاقتصادية، إذ تباطأ نموه العام الماضي بدرجة كبيرة لم يسجلها منذ ربع قرن تقريباً، ولأنه اقتصاد ينتج للتصدير، فالأكيد أن وارداته ستنخفض بالمقدار الذي تنخفض به صادراته.

الخلاصة، مما يظهر من متابعة مجريات الاقتصاد العالمي، أن رهان الدول الكبرى على نجاح برامج «التيسير الكمي» يعتمد أولاً على أسواقها المحلية وليس على زيادة صادراتها فقط. فمع تسابق الدول الكبرى على خفض عملاتها - بطريقة غير مباشرة كما ذكر - يبقى الرهان على نجاحها في تحسين أرقام البطالة وخلق فرص العمل من خلال تعزيز الإنفاق والاستثمار داخل البلد.

وهو ما نجحت فيه أميركا، إذ انخفض حجم البطالة فيها إلى 5.5 في المئة خلال شباط (فبراير) الماضي، وهي التي كانت تزيد على 10 في المئة أواخر 2009. كما نجحت اليابان - إلى حد اليوم على الأقل - في تحسين نمو الناتج (وإن كان بنسبة أقل من المتوقع). ويبقى انتظار ما تسفر عنه خطة «التيسير الكمي» الأوروبية لتحقيق نسب نمو جيدة، وخفض البطالة البالغة 11.2 في المئة في المتوسط لدول منطقة اليورو حالياً.

نقلا عن الحياة