أمزيد من الاعتماد على النفط؟

09/03/2015 4
م. برجس حمود البرجس

قبل 2000 يوم تم الإعلان عن «6 مدن اقتصادية تضخ 562 مليار ريال سنوياً وتوفر 1.3 مليون وظيفة».

إحدى تلك المدن الاقتصادية هي «مدينة جازان الاقتصادية»، وها نحن بعد 2000 نبّشر بمستقبل زاهر لتلك المدينة دون إنجازات. 

معظم المشروعات الموعودة في تلك المنطقة نفطية وهي بطبيعتها غير خلّاقة للفرص الوظيفية لطبيعتها وهذا لا يعيبها. 

النفط من مصادر الثروة الطبيعية التي أنعم الله بها علينا، وأنتجت المملكة ما يقارب 135 مليار برميل على مدى اثنين وثمانين عاماً، ومن المعروف أن النفط سلعة ناضبة ومستقبلها غامض مع التطور التقني لإنتاج الطاقات البديلة وإن تعددت الآراء التي تتباين في نظرتها للنفط بين المتفائلة والمتشائمة.

فمنذ أكثر من 45 عاما بدأ العمل بالخطط الخمسية التي كانت تهدف لتقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل من خلال التوسع لقطاعات الخدمات والصناعة وغيرها ولكن حتى الآن ما زالت المملكة تعتمد على النفط بشكل كبير جداً يفوق 90% في الدخل والصادرات.

ورغم أن التقارير الرسمية تطلق على «الصناعات البتروكيماويات» بأنها غير نفطية، إلا أنها تُشتق وتصّنع من النفط والغاز وترتبط بحركة أسعارها بالنفط وكميات إنتاجه، تنخفض وترتفع معه. 

يتم حاليا إنشاء مجمع «صدارة» الصناعي للبتروكيماويات التحويلية المتكاملة بالجبيل بتكلفة تقارب 70 مليار ريال، وسيوفر 5000 فرصة وظيفية مباشرة، بينما إذا ما قارناه بمصنع سيارات «إيسوزو» الذي بدأ العمل بالدمام فيعمل به 5000 موظف وتكلفته نصف مليار ريال سعودي فقط. وإذا ماتورانا بالمقارنة بما ينتجه هذين الاستثمارين بالوظائف غير المباشرة فإن صناعة السيارات أكثر من نظيرتها البتروكيماوية متى ما تم تطوير الصناعات المساندة لها كصناعة بعض مدخلات صناعة السيارة المعروفة. 

فالمصانع النفطية والبتروكيماوية (وإن كانت صناعات تحويلية) يعاب عليها أنها نفطية وبذلك لا تخدم استراتيجية تنويع مصادر الدخل، وغير خلّاقة للفرص الوظيفية المناسبة مالم تستثمر الدولة (وليس القطاع الخاص) في الصناعات التحولية، وتتطلب أيضا استثمارات عالية جدا لخلق الفرص الوظيفية مقارنة بصناعة السيارات أو المعدات والأجهزة الكهربائية. 

وإذا ما توسعنا بذكر نماذج الأعمال لدينا فإن أكثر ما سمعنا عنه من استثمارات كبرى كلها بالبتروكيماويات سواء في بترورابغ وينبع والجبيل وجازان ففي كلٍ منها، استثمارات بحوالي 30 مليار ريال ولا تخلق أكثر من 5000 فرصة وظيفية، أي استثمارات بأكثر من 6 إلى 8 مليون ريال لكل فرصة وظيفية واحدة. 

وبالانتقال إلى حساب تكلفة توفير كل فرصة وظيفية بهذه الكبرى فتبرز شركة صدارة كنموذج يبين لنا أن كل فرصة وظيفية واحدة مباشرة تكلف استثماراً بـ 14 مليون ريال، وكمثال آخر على شركة سابك العريقة حيث يبلغ حجم أصولها 326 مليار ريال تقريباً بينما يعمل بها حوالي 32 ألف موظف مباشر أي كل موظف واحد يقابله أصول بـ 10 مليون ريال.

وحتى نكون موضوعيين فإن طبيعة هذه الاستثمارات الضخمة واحدة في كل الشركات النفطية والبتروكيماوية عالميا وليس في المملكة فقط، ولكن الفرق أن في هذه الشركات العالمية تكتمل الصورة في استثمارات مكّملة ومجاورة فتخلق أضعاف الوظائف غير المباشرة. 

فلو افترضنا (جدلاً) ضخ استثمارات بمبلغ 40 مليار ريال في صناعة السيارات في المملكة فإنها ستوفر 400 ألف فرصة وظيفية مباشرة بدلاً من استثمار هذا المبلغ الضخم في مجمع صناعي للبتروكيماويات لا يوفر أكثر من 5 آلاف فرصة وظيفية مباشرة، أو يمكننا القول بأننا نستطيع أننا نحتاج 2% من حجم مبلغ الاستثمار بالمجمع البتروكيماوي الضخم لخلق نفس عدد الفرص الوظيفية. 

وقد يرى البعض أن الهدف من هذه الاستثمارات الضخمة أكبر في خلق الفرص الوظيفية غير المباشرة، ولكن كل المقارنات تدعم التوجه لصناعات كالسيارات والمعدات لأن الوظائف غير المباشرة فيها ستكون أكثر من البتروكيماويات، كما أنه في كلا الحالتين لن تنجح الاستثمارات في الأعمال المساندة (غير مباشرة) مالم تستثمر الحكومة بنفسها من خلال شركات حكومية. 

أغلب الأعمال الضخمة لدينا بشركات كأرامكو، وسابك، وشركة الكهرباء، والاتصالات، والشركات البتروكيماوية والصناعية الكبيرة لا يصل عدد موظفيها إلى 150 ألف موظف (أي أقل من عدد مواليد 5 أيام في كل سنة من العقود الثلاثة الماضية).

فالمملكة بحاجة إلى الاستثمار في الصناعات التي تخلق فرص وظيفية مثل صناعة السيارات والمعدات والآلات والأجهزة عامة فنحن نستورد حوالي مليون سيارة سنوياً، وكذلك من المعدات والآلات والأجهزة بأكثر من 150 مليار ريال. 

إعادة النظر باستراتيجيات الصناعة والخدمات بالمملكة أصبح ضرورة ملحة لتوفير فرص وظيفية ضخمة تستوعب الأعداد الحالية والمستقبلية الكبيرة من الشباب والشابات على أن تدعم بتوفير مراكز علمية وبحثية لضمان نجاحها ومنافستها محليا وعالميا، وتساهم في خفض أسعار تكلفة الإنتاج.

نقلا عن الجزيرة