صناعة الغاز المسال تواجه أكبر تحد في تاريخها

03/03/2015 2
د. سليمان الخطاف

يشكل الغاز الطبيعي حوالي 23.5 % من مصادر الطاقة بالعالم ويعتبر نمو الطلب العالمي على الغاز الاعلى بين كل مصادر الطاقة الاخرى. وفي كثير من الأحيان يستهلك حوالي 71% من الغاز الطبيعي فى البلد المنتج؛ نظراً لتكلفة نقله ولصعوبة تصديره.

ويصدر حوالي 20% من الغاز المنتج عالمياً عبر شبكة من خطوط الانابيب بينما يصدر 9% فقط عبر ناقلات الغاز المسال.

انخفضت الاسعار الفورية للغاز المسال في آسيا لشهر مارس الحالي الى اقل من 7 دولارات للمليون وحدة حرارية وفى نفس الاطار انخفضت اسعار برنت الى حوالي 60 دولارا للبرميل.

وفي حين وصلت اسعار الغاز المسال فى شهر ديسمبر من عام 2013م الى حوالي 18 دولارا للمليون وحدة حرارية، سجلت اسعار نفط برنت فى تلك الفترة معدل 110 دولارات للبرميل.

وهذا يدل على ان اسعار الغاز المسال قد انخفضت بحوالي 60% بينما انخفضت اسعار النفط بحوالي 55% مما يشير الى الارتباط الوثيق بين اسعار الغاز المسال واسعار النفط.

ولكن السبب الاكبر الذى قد يهدد صناعة الغاز المسال بالكساد وربما يعرّض بعض المشاريع التى لا تزال تحت الانشاء أو التخطيط هو امكانية انهيار اسعار الغاز المسال فى المستقبل القريب بسبب كثرة المشاريع المزمع اقامتها لانتاج وتصدير المزيد من الغاز المسال فى كل قارات العالم.

ويصل الانتاج العالمي حالياً حوالي 245 مليون طن من الغاز المسال سنوياً. وتصدر بعض دول الخليج حوالي 100 مليون طن بالسنة ودول افريقية حوالي 65 مليون طن سنوياً، بينما تتقدم اليابان دول العالم كأكبر بلد فى استيراد هذا النوع من الغاز.

وسترفع استراليا قريباً قدرتها لانتاج حوالي 85 مليون طن بالسنة وذلك بعد عدة سنوات لتصبح اكبر منتج للغاز المسال بالعالم. والجدير بالذكر ان المشاريع الاسترالية لانتاج الغاز المسال قد اوشك بعضها على الانتهاء.

ولكن من سوء حظ الاستراليين ان امريكا الشمالية ستصدر حوالي 60 مليون طن سنوياً فى نفس فترة بدء انتاج المشاريع الاسترالية او بعدها بقليل.

وتسعى دول شرق افريقيا لتصدير اكثر من 30 مليون طن بالسنة فى نفس الفترة الزمنية، بالاضافة الى مشاريع مقترحة لتصدير الغاز من شرق البحر المتوسط.

باختصار، سينتج العالم بعد خمس سنوات حوالي 155 مليون طن سنوياً اضافة الى طاقته الحالية والتى تبلغ حوالي 245 مليون طن سنوياً.

وهذا يشير الى ان طاقة العالم من انتاج الغاز المسال ستبلغ حوالي 400 مليون طن سنوياً.

ولكن المثير للدهشة ان كل عيون المنتجين الجدد تتجه لليابان وكوريا الجنوبية حيث الاسعار المرتفعة. ويبلغ حالياً استهلاك كل من اليابان وكوريا الجنوبية حوالي 135 مليون طن بالسنة اى اكثر من 56% من اجمالى تجارة الغاز المسال العالمية.

ولكن استهلاك هاتين الدولتين لن يتعدى 120 مليون طن بالسنة بعد خمس سنوات (بعد الانتهاء من المشاريع الامريكية والاسترالية) خاصة اذا اعادت اليابان تشغيل مفاعلاتها النووية التي يصل عددها قرابة الخمسين.

وكل الاحداث تشير الى ان اليابان تمضى قدماً لتشغيل بعض هذه المفاعلات مما سيؤدى حتماً الى تقليص استهلاك اليابان للغاز المسال.

تدهورت اسعار الغاز المسال الى مستويات لم تكن بالحسبان، ويتوقع أن تتراوح كلفة الغاز الطبيعي المسال من استراليا الى اليابان بين 14 الى 16 دولار للمليون وحدة حرارية.

واما الغاز الامريكي فستكون كلفته وصولاً الى اليابان حوالي 10 دولارات للمليون وحدة ويمكن تفصيلها كالتالي 4-3 دولارات سعر الغاز بحسب هنري هب + 4 دولارات كلفة التسييل + 2.5 دولار كلفة النقل من امريكا لليابان.

وهذا يعني أنه لكى تربح شركات الغاز المسال فى امريكا يجب ان تبيع الغاز بأعلى من 12 دولارا للمليون وحدة ولكى تربح شركات الغاز فى استراليا يجب ان تبيع الغاز بأكثر من 17 دولارا للمليون وحدة.

لا شك ان صناعة الغاز المسال ستواجه صعوبات وتحديات كبيرة فى الاعوام الخمسة القادمة. وتتمثل هذه التحديات في كثرة الانتاج وارتفاع الكميات المعروضة للبيع وهذا لن يخدم الاسعار على المدى البعيد.

وحتى لو ارتفعت اسعار النفط، لن تلوح بالافق بوادر انفراج لاسعار الغاز المسال. ولا ننسى ان الصين ستستورد كميات كبيرة من الغاز الروسى عبر الانابيب مما سيقلص حاجتها لاستيراد الغاز المسال.

وقد لا تكون المشاريع الاسترالية القادمة مربحة لارتفاع كلفة انتاجها ولتخمة الاسواق عند بدئها بالتصدير، وحتى مشاريع التصدير الامريكية يمكن أن لا تكون ربحيتها بمستوى الطموح.

وفى ظل هذه المتغيرات الجوهرية فى صناعة الغاز الطبيعي، يصعب توقع مستويات اسعار الغاز المسال للسنوات الثلاث أو الخمس القادمة، ولكنها قد تفترق عن مصاحبة اسعار النفط مما سيؤدي الى اعتماد آليات جديدة في تسعير الغاز وتجارته العالمية.

باختصار سيكون التفكير في إقامة مصانع جديدة لانتاج الغاز المسال عملية صعبة وغير مجدية اقتصادياً فى ظل المنافسة العالمية على تصدير الغاز المسال من كل قارات العالم.

وفي إطار آخر، أشار السيد جيروم فيرير رئيس الاتحاد الدولي للغاز أن وجهة الوصول في بنود عقود شحنات الغاز الطبيعي المسال ستكون شيئا من الماضي؛ بسبب التخمة في الانتاج مما سيسمح برفع القيود عن التجارة العالمية للغاز المسال في المستقبل.

وفي الختام خسرت اسعار الغاز المسال حتى الان حوالي 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية من قمة اسعارها فى عام 2014م.

واذا استمرت اسعار الغاز فى عام 2015م عند مستويات 7-8 دولارات للمليون وحدة حرارية فسيكون تأثير هذا الهبوط على دخل اهم الدول العربية المصدرة للغاز المسال كالتالى:

يمكن أن تفقد قطر وهي أكبر مصدر للغاز المسال في العالم حوالي 35 مليار دولار والجزائر حوالي 5 مليارات دولار والامارات واليمن وعمان من 2-4 مليارات دولار فى عام 2015م مقارنة بمداخيل العام 2013م.

نقلا عن اليوم