وهم «وظف سعوديًا لتستقدم وافدًا»

17/02/2015 4
د. إحسان بوحليقة

لا أفهم ما مأخذ بعض أصحاب المنشآت على توظيف السعوديين حالياً، بعد أن أصبح توظيف المواطن يأتي بدعم بالمشاركة بالأجر لمدة سنتين، وبعد انتشار الكليات والمعاهد في كل محافظة من محافظات المملكة، وبعد أن أصبحنا نرى انتشار ترتيبات "التدريب المنتهي بالتوظيف" عبر تدريب الراغبين في العمل من خلال معاهد متخصصة، في مجالات عدة، بما فيها: السيارات، والصناعات البلاستيكية، والصناعات الغذائية، والفندقة، وبعد أن أخذ عدد كليات التميز يتنامى.

بالتأكيد ما زلنا في بدايات طريق تأهيل وتدريب المواطنين، لكن لا يمكن قبول مقولات متقادمة باعتبار أنها ما زالت صحيحة في وقتنا الحاضر. فمثلاً، لم تعد كليشة مثل "السعوديين لا يقبلون على أعمال التشييد والبناء" مقبولة؛ والسبب أن أعمال التشييد والبناء ليست محصورة في الصورة الذهنية لعامل متسلق "سقالة" و"يليس" جدارا! أو آخر "يصف طابوق".

نعم، الأمثلة التي ذكرت هي في صلب التشييد والبناء، ولا أجد أن السعوديين سيرفضون العمل بها مقابل الأجر المناسب، ومع ذلك فليست هي مقصد السعودة في الوقت الراهن، إذ يبدو أن هناك من يتناسى أن قطاع التشييد والبناء لدينا يوظف نحو ثلاثة ملايين إنسان، وشرائح عديدة من وظائف القطاع قابلة للسعودة، إذا ما قدمنا الأجر المناسب، وإذا ما دربنا الشاب في المعاهد المتخصصة والتي تشرف عليها جهة حكومية رئيسة ميزانيتها للعام المالي الحالي تتجاوز خمسة مليارات ريال.

وما أسعى لقوله هنا؛ أن على بعضنا تجاوز استخدام أعذار ترتكز إلى مقولات مقولبة -أكل الدهر عليها وشرب ونام- فيما يخص توظيف السعوديين والسعوديات، فمنظومة العَرض من حولنا لا أقول أنها وصلت إلى مبتغانا وتطلعاتنا كمجتمع، لكنها تتطور، من حيث تعليم وتدريب والتأهيل وخدمات التوظيف.

ويبدو أن بعض القوى المؤثرة في الطلب (بعض أرباب العمل) يُصرّ على تجنب السعوديين أو عدم منحهم حتى فرصة التجربة، متعذراً بقصص قديمة تجاوزها الواقع. ولا حاجة للجدال، فزيارة لموقع صندوق تنمية الموارد البشرية ولموقع المؤسسة العامة للتدريب التقني والفني ستبين الجهود، وهي ليست جهودا نظرية بل مبادرات ولدت أفعالا. قد يكون تأثير هذه الأفعال ما زال قاصراً عن اقتلاع تشوهات سوق العمل السعودية التي مكثت عقوداً، ولكن ثمة تغييرا لمحاصرة تلك التشوهات وكبح أثرها، وهو تأثير لم يبلغ أوجه ولم يصل لمبتغاه.

النقطة هنا، أن على اقتصادنا، وتحديداً منشآت القطاع الخاص أن تلتفت لتوظيف السعوديين باعتبارهم موردا بشريا وطنيا، وليس كجسر للحصول على مزيد من تأشيرات الاستقدام، بمعنى أن وصول المنشأة إلى "النطاق الأخضر" يجب أن يصبح التزاماً وطنياً مستقلاً وليس هدفا مرحليا تحفزه الرغبة للحصول على تأشيرات استقدام.

وقد ينظر البعض لهذا المطلب باعتباره مثاليا أو نظريا، ولكن لا خيار لنا كاقتصاد أو كمجتمع في المدى المتوسط إلا الاعتماد على مواردنا البشرية، بل والاعتناء بها أشد اعتناء: بتعليمها أفضل تعليم، وتدريبها أفضل تدريب، وتأهيلها أفضل تأهيل، ثم توظيفها بأفضل وظيفة. وأفضل وظيفة لا تعني سوى وظيفة لها أفق للتعلم واكتساب الخبرة وتنامي المسؤولية مع مرور الوقت وإثبات الذات. وهذا يتطلب أن تخلع جميع القوالب (عرضاً وطلباً) لإعادة الدور المحوري لمواردنا البشرية المواطنة، باعتبارها هي الميزة المستديمة التي ستؤهل اقتصادنا لينافس.

نقلا عن اليوم