في ظل تواصل الشد والجذب بين اليونان وشركائها في منطقة اليورو حول وضع ديونها، ورغبة أثينا تحت قيادة رئيس وزرائها الجديد الذي فاز في انتخابات الشهر الماضي"ألكسيس تسيبراس" في تغيير الوضع بأى شكل مثيرة تكهنات بإمكانية خروجها من التكتل النقدي ومن ثم اثارة فوضي غير محمودة العواقب.
وفي تقرير صدر حديثاً رفعت وحدة ايكونوميست انتليجنس" التابعة للمجلة الاقتصادية الشهيرة "الايكونوميست" احتمالية مغادرة اليونان منطقة اليورو من 30% قبل انتخابات الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني إلى 40% بعد فوز حزب"سيريزا" السياري الذي يقوده "تسيبراس".
ودائما ما تصدت ألمانيا لمحاولات "تقديم المزيد من التنازلات" للشركاء، لكنها كانت تجبر على السير مع الاتجاه الجديد لا عكسه، بعد زيادة الضمانات واملاء شروط حفاظا لكبريائها ومنعاً لإشتعال الجبهة الداخلية بقيادة دافعي الضرائب.
ويعد "فولفجانج شيويبله" أحد أهم رجالات أكبر اقتصادات منطقة اليورو في هذا النطاق، والذي هدد مؤخرا بأن عدم التزام أثينا يعني نهاية المطاف بالنسبة لها وهو معروف بوجهه الصلب القاسي-تماما كحال اللغة الألمانية في نطقها.
وربما تساءل البعض من هذا الرجل القعيد العنيد الذي لا يبتسم أبدا أو نادرا ما يفعل ذلك؟
يوصف "شيويبله بأنه الموظف الحكومي، رجل الواجب، رجل السياسة القادم من الأحزان والذي لن يصبح مستشارا أبدا لألمانيا، لكنه يضحي من أجل الشعب، رغم أن مجلة "دير شبيجل" الشهيرة وصفته في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1991 بأنه الأوفر حظاً لخلافة "هلموت كول".
ويبقى لقب "سيزيف" ذا مغزى بالنسبة للوزير الذي ظل على رأس وزارة المالية خلال فترة الولاية الثانية للمستشارة "انجيلا ميركل" التي بدأت عام 2009، وكذلك الثالثة الحالية بعد نجاحها في انتخابات سبتمبر/أيلول الماضي، حيث تتولى قيادة ألمانيا كأول امرأة تدخل المستشارية في فترة امتدت منذ 2005 حتى الآن.
وربما يفسر لقب "سيزيف" شخصية الوزير القعيد على الرغم من أن الأساطير اليونانية جعلته الأشد مكراً بعد عملية خداع دبرها –وربما حاول "شيويبله" في وقت ما مع الشركاء الأوروبيين أن يكون كذلك-، لذا حُكم عليه بحمله صخرة من أسفل الجبل ومع قرب بلوغه القمة تهوي إلى سفح الجبل مرة أخرى ويعاود النزول وحملها، ويظل هكذا إلى الأبد.
الدلالة هنا واضحة، والرجل الذي دخل البوندستاج-البرلمان- للمرة الأولى عام 1972 في الثلاثين من عمره حيث ولد سنة 1942 في فرايبورغ يعد صلداً ويعرف تماما معنى الجلد خصوصا بعدما تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة أكتوبر/تشرين الأول 1990 من شخص قيل أنه مختل عقلياً تلقى على اثرها جسده ثلاث رصاصات.
جاءت هذه المحاولة لإغتيال "شيويبله" الذي يفسر حمله دكتوراه في القانون أحد أسباب انضباطه وصرامته، حيث يعرف ما له وما عليه بعد أن قاد محادثات توحيد شطري ألمانيا عقب توليه وزارة الداخلية في حكومة "هلموت كول" عام 1989.
كانت أول محاولة اغتيال تتعرض لها شخصية عامة بعد توحيد ألمانيا، ورغم اصابته في الوجه والحبل الشوكي، لكنه نجا لكن بعد تعرضه لشلل أجبره على الجلوس على كرسي متحرك، ليجبر من بعدها نفسه وهو في فترة النقاهة على العودة للعمل بعد ثلاثة أشهر فقط كي يؤكد الجانب الذي تظهره تجاعيد وجهه القاسي.
وفي خضم معاناة منطقة اليورو أزمة ديونها السيادية ، ومع اجتماع طاريء لوزراء مالية التحاد الأوروبي في مايو/آيار عام 2010 أفاق "شيوبيله" ليجد نفسه في وحدة العناية المركزة في مستشفي بلجيكي، فيما انتشرت التكهنات بأن الرجل سوف يستقيل وربما لن يبقى على قيد الحياة.
لكن أى من الاحتمالين لم يحدث ونجا مرة ثانية وظل في منصبه الذي يدير منه وزارته ، مجاهدا من أجل أوروبا ووحدتها متجاوزا مع نظرائه في منطقة اليورو ولو بشكل مؤقت أزمة الديون في أيرلندا، البرتغال بعد خطتي انقاذ، فيما تبقى اليونان صداعاً لم تتخلص منه أوروبا ولا "شيوبيله" نفسه.
شكرا على هذا المقال