في ضوء الأزمة الاقتصادية اليونانية المتجددة، يبدو أن ما يسعى رئيس الوزراء اليوناني الجديد ألكسيس تسبيراس إلى تنفيذه، من إنهاء سياسة التقشف وإلغاء جزء من ديون اليونان، لا يمكن أن تقبل به الدول الأخرى الأعضاء في اليورو ما يعني أن اليونان ستضطر إلى الخروج من اليورو. وأصبحت كلمة «Grexit» (خروج اليونان) أحد المصطلحات السياسية الدولية التي يكثر تداولها.
لكن مع وجود 74 في المئة من الشعب اليوناني يفضلون البقاء في الوحدة النقدية وفي الاتحاد الأوروبي، كما أظهر أخيراً استطلاع للرأي، هل يجرؤ تسبيراس على الخروج من منطقة اليورو وهل يستطيع تحقيق نتائج إيجابية من هذا الإجراء؟
تشير المادة 50 من اتفاق لشبونة إلى أن أي دولة عضو تستــطيع الانسحـاب من عضوية الاتحاد الأوروبي بناءً على مبادرة منها، لكنها لا توفر آلية لعملية الانســحاب وإنما على الدولة أن تفاوض على كيفية تحقيق ذلك.
لكنها تعني حتماً أن الانسحاب من الوحدة النقدية يستلزم الانسحاب من عضوية الاتحاد الأوروبي أيضاً.
أما المواد (2) 4 و118 و(4) 123 فتشير صراحة إلى أن أياً من دول الاتحاد الأوروبي التي تختار الانضمام إلى الوحدة النقدية لا يمكنها الانسحاب منها فيما بعد.
لذلك فالطريقة الوحيدة التي تستطيع فيها اليونان الانسحاب من اليورو هي أن تطلب تعديل الاتفاق، لكنّ طلباً كهذا يتطلب من أكثر الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة عمل استفتاء شعبي. وقد تواجه المطالبة بالتعديل فيتو من أي بلد عضو. وبذلك تعتبر المطالبة بتعديل الاتفاق أمراً أقرب إلى المستحيل. ومن ناحية أخرى لا يسمح اتفاق الاتحاد بطرد أي بلد عضو من الاتحاد ومن الوحدة النقدية.
اقتصادياً، يمكن تحديد كلفة الانسحاب من اليورو لليونان واستعادة عملتها القديمة (الدراخما) كالآتي:
1- تستطيع اليونان الإبقاء على الديون السيادية باليورو أو تحولها إلى الدراخما. فإذا اختارت الأولى فإن المورد الوحيد للعملة الأجنبية هو التجارة الخارجية، لكن هذا المورد سيكون محدوداً بسبب ضعف إمكانية اليونان الإنتاجية والتصديرية من جهة، وتوقع حصول ارتباك مهم في تجارتها الخارجية بعد الانسحاب من اليورو من جهة ثانية. أما الخيار الثاني وهو الأكثر احتمالاً فهو تحويل الديون السيادية من اليورو إلى الدراخما، ويعتبر هذا الخيار عجزاً عن التسديد، إذ ماذا يفعل الدائنون الأجانب بعملة محلية ضعيفة في بلد إمكانياته التصديرية ضعيفة ومحدودة؟ وسيزيد العجز عن تسديد الديون السيادية في كلتا الحالتين من كلفة الاقتراض على الحكومة وسيدفع المستثمرين إلى الإحجام عن التعامل مع اليونان.
2- يؤدي الانسحاب من اليورو ووضع الدراخما محله في التداول إلى مواجهة النظام المصرفي اليوناني لمشكلة سحب المودعين لأرصدتهم باليورو وبالعملات الأجنبية الأخرى. وبذلك ستضطر الحكومة اليونانية إلى منع السحب و/أو تحديد كميته أو إغلاق المصارف. وهذا يعني انهيار النظام المصرفي.
3- في حال انهيار النظام المصرفي اليوناني ستنتقل عدوى الانهيار بسرعة إلى بقية الدول الأعضاء التي تعاني مشكلة ديون سيادية ومن ثم إلى بقية النظام المصرفي الأوروبي وربما إلى بقية النظام المصرفي العالمي. فالنظام المصرفي يقوم على الثقة والترابط الشديد بين الأنظمة المصرفية في العالم.
4- يعني انسحاب اليونان من الوحدة النقدية انسحاباً من الاتحاد الأوروبي أيضاً. فترك اليورو في شكل أحادي يعتبر انتهاكاً لكل اتفاقات الاتحاد التي تنص على حرية التجارة والاستثمار وانتقال الأفراد ورؤوس الأموال.
وسيربك الانسحاب من الاتحاد الأوروبي الهياكل القانونية والإدارية والمؤسسية التي استنفدت اليونان وقتاً طويلاً لجعلها منسجمة مع متطلبات الاتحاد ولن يكون من مصلحتها تغييرها.
5- سيكون الهدف الرئيس لانسحاب اليونان من اليورو هو زيادة القدرة التنافسية للصادرات اليونانية من خلال تبني عملة وطنية بسعر صرف منخفض. لكن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه لأن بقية دول الاتحاد ستقاوم هذا الإجراء من خلال فرض تعرفة جمركية تعادل نسبة تخفيض العملة الوطنية أو أكثر.
إن نتائج من النوع أعلاه وما تسببه من بطالة وتضخم لا يستبعَد أن تؤدي إلى اضطرابات داخلية. وكل من الحكومة اليونانية الجديدة والترويكا في مأزق كبير تعقيداته أكبر بكثير من بداية أزمة الديون قبل سنوات عندما كانت اليونان وحدها الدولة المَدينة في الاتحاد.
أما اليوم ومع صعوبة الأوضاع الاقتصادية في أوروبا بما فيها ألمانيا ووجود عدد كبير من الدول الأوروبية المَدينة والتي تنفذ سياسات تقشفية وفيها أحزاب يسارية تستعد لانتخابات مقبلة، فإن أي تساهل مع اليونان ستطالب الدول الأخرى به.
أما ترك اليونان تخرج من الوحدة النقدية فإن تأثيراته ستكون كارثية على اليونان وربما على الاتحاد الأوروبي ككل.
يبدو الحل الوحيد في تنازل من قبل الطرفين للالتقاء في مكان وسط. وربما يكون إعفاء اليونان من خدمة الدين هو التنازل الذي تستطيع الترويكا تقديمه خصوصاً وأن خدمة الدين تمثل نصف ما تدفعه اليونان حالياً من ديونها سنوياً.
ولا بد للاتحاد الأوروبي من الاعتراف بأنه أخطأ أولاً عندما استعجل قرار الوحدة النقدية، وأخطأ ثانياً عندما تبناها ناقصة حين أوجد مصرفاً مركزياً أوروبياً ولم يوجد وزارة مال أوروبية تدير شؤون الديون السيادية في الدول الأعضاء في الوحدة النقدية، وأخطأ ثالثاً عندما قبِل أن تنضم إلى هذه الوحدة دول ضعيفة اقتصادياً مثل اليونان وإرلندا والبرتغال وإسبانيا، وأخطأ رابعاً عندما لم يكن جاداً في تطبيق شروط معاهدة ماسترخت على الدول الأعضاء لجهة نسبة عجز الموازنة وحجم الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي وإنما على العكس كان البنك المركزي الأوروبي يشجع المصارف على شراء سندات الدين العام للدول الأعضاء.
ولأن قرار الوحــدة النقدية كان قراراً سياسياً اتخذته إدارة الاتحــاد الأوروبي لتحــقيق انتصار سياسي بعد أن رفضــت بريطانيا الانضــمام إليه. لذلك يتحمل الاتحاد الأوروبي والدول المتقدمة فيه كثيراً من المسؤولية عن ما حصل في الدول الأعضاء خصوصاً اليونان ولا بد له من أن يظهر شجاعة كافية لتحمل جزء من تبعات ما يحصل.
نقلا عن الحياة
يعطيك العافيه
فعلا تبعات الازمه لم تنتهي