تحدثنا سابقاً عن ضرورة تفعيل دور مساهمة «البحوث والتطوير والدراسات» في الجامعات المحلية للمساهمة في الدراسات والتخطيط وإدارة المشروعات في جميع أعمال الدولة من مشروعات تنموية واقتصادية وتخطيط وأعمال طبية واجتماعية.
هذا الدور شبه غائب كلياً والسبب أن الوزارات لم تستعن بالجامعات مما عطّل هذا الدور وأصابه بالشلل.
تستثمر الولايات المتحدة الأمريكية 465 مليار دولار في البحوث والتطوير (وهذا يمثل 29 في المئة من استثمارات العالم في البحوث والتطوير والدراسات والتي تصل إلى 1.6 تريليون دولار)، وتليها الصين بـ300 مليار دولار، فاليابان بـ 180 مليار دولار، وتليهم ألمانيا وكوريا الجنوبية وفرنسا وبريطانيا والهند فاستثمارات كلٍ منها بين 30 و80 مليار دولار سنوياً. في الولايات المتحدة، تستثمر وزارة الدفاع الأمريكية، وكالة الطاقة، الصحة والاجتماعية، العلوم، وكالة ناسا، في الجامعات وهي المصدر الأول لدراسات وبحوث تلك الأعمال، فأكبر 10 جامعات أمريكية عملت في عام 2013 بحوث ودراسات بقيمة 11.7 مليار دولار، منها (8 مليارات دولار حكومية، 1.7 مليار من صناديق الوقف في الجامعات، 1 مليار من المنظمات غير ربحية، 1 مليار من القطاع الخاص ومصادر أخرى)، ويعمل للحكومة الأمريكية أكثر من 100 جامعة في البحوث والدراسات.
ومعظم البحوث في مجال الطب والصيدلة بـ5.4 مليارات دولار، وعلوم الأحياء بـ 1.4 مليار دولار، 666 مليوناً في العلوم (الفيزياء والكيمياء والفضاء)، 577 مليون دولار في علوم البيئة وعلوم الأرض، 330 مليون دولار في العلوم الاجتماعية، 246 مليون دولار في علوم الكمبيوتر، و120 مليون دولار في علم النفس.
o كيف تبني الجامعات دراساتها وبحوثها والأعمال التطويرية؟
الجامعات وغيرها من مراكز الدراسات والبحوث الاستشارية، تعمل تلك الدراسات والتطوير والإستراتيجيات بكفاءات وكوادر يعملون في تلك الجامعات أو في جامعات أخرى أو حتى من خارج الحرم الجامعي، وبالتأكيد لديهم الأجهزة والآلات والأدوات التي يحتاجونها، ويستعينون أيضاً بالمراجع الكثيرة والمتوفرة في مكتباتهم، وأيضاً هناك عامل آخر في معادلتهم وهو الاستعانة في مخرجات «بيوت الفكر» أو “Think Tanks”.
«بيوت الفكر» هي القلب النابض في تلك العمليات، فهي تستعين بالكتب والإحصائيات والمعلومات الموجودة في المكتبات وتعمل على تطويرها وتحديثها، وهذا يُعمل بفريق يسمى «محللين»، ومن ثم يأتي دور «المستشارين» في تلك البيوت الفكرية ليربطوا المعلومات ويبنوا عليها الإستراتيجيات والخطط، وأخيراً يأتي دور «كبار المستشارين» ليضعوا اللمسات الأخيرة في تلك الدراسات أو الخطط الإستراتيجية. طبعاً كبار المستشارين لا يصلون إلى هذه المكانة حتى يخدموا كثيراً كمستشارين، ويقدمون الكثير من الأعمال الاستشارية، وقبل ذلك يكونوا قضوا سنوات كمحللين ويكونوا قدموا خلالها الكثير من الأعمال التفصيلية، وقبل هذا كله، يكونوا عملوا في الأعمال إما تدريس أو تخطيط أو أعمال أخرى.
ويصعب الوصف لأهمية ومتعة العمل في هذه البيوت الفكرية، فجميعنا نتمنى أن يعمل أبنائنا وبناتنا في تلك البيوت حيث إنها «دور» للفكر وليس للأعمال الروتينية، فالشخص يفخر بمنتجاته ومخرجاته.
جميعنا هنا في المملكة العربية السعودية نتمنى أن تُبنى «بيوت فكر» مثل هذه لتساهم في الدراسات والقرارات التنموية والاقتصادية والتخطيط وأيضاً المالية وغيرها، فعلى سبيل المثال قرارات التوظيف والبطالة وتطوير الصناعات واستثمارات وزارة المالية وبقية الأعمال، هذه الأعمال تفتقد إلى «الفكر المضاف» فيما سبق ذكره في هذا المجال.. فجميع القرارات حالياً إما تُبنى في غرف الاجتماعات من قبِل موظفين، أو يُستعان بشركات دولية ويتم توجيه تلك الشركة لبناء دراسة للوصول إلى «نتيجة» مسبق اختيارها.
نقلا عن الجزيرة