القرارات الملكية والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد

03/02/2015 0
د. إحسان بوحليقة

صدر الأمر بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) في مارس 2011ميلادية، وتمارس عملها من خلال تنظيم، وخلال المرحلة التأسيسية التي قادها شخص متخصص يملك خبرة واسعة وعميقة في المحاسبة والمراجعة والتدقيق من الناحية الفنية، وممارسة متعمقة في التعامل مع شأن المالية العامة وشؤون الخزانة العامة للدولة، وقد بدأ مهمة التأسيس لهيئة يُعَول عليها كثيراً، وقبل أيام استلم القيادة شخص جديد ليبدأ مرحلة جديدة من دورة حياة تطور الهيئة.

وأدرك أن ليس بالضرورة أن يعني تعيين تنفيذي جديد نشوء مرحلة جديدة، لكن التغيير تزامن مع إصدار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أكثر من ثلاثين أمراً ملكياً، أعاد "تمركز" أجهزة السلطة التنفيذية استعداداً لعهدٍ ومرحلة جديدين.

والأسباب التي دفعت الدولة -يرعاها الله- لإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قبل أربع سنوات ما زالت قائمة، ولعل من الملائم القول إن مرحلة التأسيس تستنزف الطاقات لتشييد البنية التحتية، ولاسيما التشريعية والنظامية والتنظيمية، ولاستقطاب الموارد البشرية والمالية والتقنية، ولانتزاع اختصاصات من الأجهزة البيروقراطية الأخرى عسى أن تفسح لـ"المولود" الجديد مكاناً ومتسعاً. وبداهةً، فلا يبدأ الجهاز -أي جهاز بيروقراطي- في ممارسة دوره كاملاً غير منقوص، إلا بعد اكتمال تأسيسه، وفي هذا السياق، يبدو أن حتى مرحلة تأسيس الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة) لم تستكمل بعد، وهذا الاستنتاج يستند إلى جملة أمور، لعل أهمها أن التنظيم الذي تعمل الهيئة بموجبه لا يمنحها الصلاحيات اللازمة لتأدية دورها الذي رَسَمَهُ الأمر الملكي الذي أنشأها، وهو دور حيوي وضروري لا شك، وعلى الهيئة ممارسته، وبتعبير أدق: ينبغي أن تُمَكَن "نزاهة" من ممارسته. السؤال: ما الذي يمنعها من القيام به؟! وجَدَت "نزاهة" -باعتبارها "القادم الجديد"- أن أجهزةً تنفيذيةً أقدم منها نشأة تقوم بوظائف تتعارض مع الدور الذي رَسَمهُ الأمر السامي، وأن تلك الأجهزة تُمارس مهامها وتستمد صلاحياتها من أنظمة (قوانين)، وأن التنظيم لا يرقى لأن يُعارض صلاحيات مُنحت لأجهزة حكومية بموجب نظام، وهكذا لم تسعف الصلاحيات التي منحها التنظيم "نزاهة" لتلبية الآمال العريضة المعقودة على الجهاز "الوليد"، نتيجة لمعاناته من ضَعفٍ هيكلي لن يزول إلا بتمكين "نزاهة" القيام بكل مهام مكافحة الفساد، وهذا لا يعني إلغاء ما سواها من الأجهزة، بل تعديل الأدوار لمنع التعارض ولتعزيز التكامل من جانب، ولمنح "نزاهة" سلطات كافية لردع الفساد وتعقبه.

ومع تباشير العهد الجديد، فالفرصة سانحة لاستكمال تأسيس "نزاهة"، بأن يصدر نظام لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، تكون "نزاهة" هي القَيّمَة على تنفيذه، وبطبيعة الحال سيستفيد النظام -في حال صدوره- من جملة أمور، منها:

(1) تقييم تجربة الهيئة للسنوات الأربع الماضية. (2)التمعن في أفضل الممارسات الدولية الناجحة في هذا المجال.

(3)التأمل في وضع معايير محددة ومقننة للشفافية والإفصاح، على الأجهزة التنفيذية كافة الوفاء بها مما سيجعل "نزاهة" تقوم بمهمتها لمكافحة الفساد بتفحص صندوق شفاف.

(4)منح "نزاهة" الصلاحيات التي تمكنها من القيام بالدور الذي رَسَمه لها الأمر الملكي، بما في ذلك إدخال تعديلات على الأنظمة القائمة، بما يزيل تعارض الصلاحيات أو اقتسامها.

ويمكن الجدل أن هذا الجهد سيمكن "نزاهة" من القيام بمهامها ويمنحها الأدوات التي تجعل أداءها ينسجم مع التغييرات التاريخية التي قررها الملك سلمان -يحفظه الله- بإصداره حزمة الأوامر الملكية الخميس الماضي.

 

نقلا عن اليوم