النفط وإيران وفصول التاريخ

21/01/2015 4
زياد محمد الغامدي

لا يكتب النجاح الا لمن يستوعب التاريخ جيدا، ذلك ان من يهمل التاريخ ينتهي به الأمر الى ان يبني تصرفاته على رؤاه المحدودة، وهذا أمر خطير للغاية، كما ذكر كارل ريتشارد.

وحين يتعلق الأمر بدولة كإيران، فانه يلاحظ ان رؤية ساستها ابعد ما تكون عن الحكمة والمنطق والرشد، بل ويتخللها سوء النية وخبث الغاية التي لا تتورع عن طرق كافة الوسائل المحققة لأجندات لا يمكن ان تنطلي على دول جوارها وإقليمها، والتي نجحت في افشال محاولاتها كافة. تاريخيا انقسمت سياسة الدول المنتجة للنفط حيال عوائدها النفطية قسمين.

الأول انفاق العوائد على التنمية والتعليم والصحة، وكل ما يؤدي الى ازدهار وتنمية الإنسان فكريا وصحيا.

والثاني انفاق العوائد على كل ما يدمر التنمية ويؤدي الى تدمير كل حالة ازدهار، بما في ذلك تحطيم فكر الإنسان وذاته. وحالة الارتفاع في اسعار النفط التي شهدتها الأسواق في الأعوام الماضية كانت كفيلة بأن تعمر وتبني أي دولة منتجة ومصدرة للنفط، الا ان بعض الدول وعلى رأسها ايران، لم تألُ جهدا في حرق العوائد النفطية على عبث وتخاريف وعمليات تخريب لم تنعكس بالسلب الا على ايران نفسها.

ومع تغير المعادلة التقنية بما يزيد المعروض النفطي، تزداد الضغوطات السعرية على النفط، بالإضافة الى عوامل أخرى ساهمت في الانخفاض الحاد الذي نشاهده، منها على سبيل المثال حالة الركود التي تمر بالاقتصاد العالمي وارتفاع الدولار وغيرها من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية والتقنية.

ومع استمرار تزايد الضغوطات السعرية على النفط، (والذي يتوقع له الاستمرار على المدى المتوسط)، يزداد الثمن الذي تدفعه ايران نتاج حرق اموالها في محاولة تدمير المنطقة. لم يعِ ساسة ايران التاريخ البشري الذي يؤكد مأساوية نهاية كل محاولة لسوء الفعل تجاه الآخر، مهما بدت قدرة ودهاء خطة التنفيذ.

وزير النفط الإيراني يطالب الدول المنتجة بخفض الإنتاج، في أغبى دعوة اقتصادية اسمع عنها، ولكن مثل هذه الدعوات ليست مستغربة على ساسة ايران الذين يجيدون الخروج عن المألوف بما يثير السخرية تارة، والاشمئزاز تارة اخرى.

فقبله دعا وزير الاتصالات الإيراني الى تطوير شبكة الاتصالات في بلاده بما يسمح بالتقاط صوت المهدي وأخذ التوجيهات مباشرة منه. ويبدو لي ان من رشح وزير النفط الإيراني لمنصبه هو نفسه من رشح وزير الاتصالات (التحفة) هذا.

ايران استخدمت عوائد النفط المرتفعة لإثارة الفوضى في المنطقة، وها هي عوائد النفط المنخفضة تدمر البقية الباقية من نظامها الاقتصادي المتهالك. نظام تم اخضاعه لخرافات الساسة الذين يحلمون بالسيطرة على المنطقة، أحلام اشبه بعشم ابليس في الجنة، لن تتحقق الا في مخيلاتهم المريضة. فبلادنا وبلاد العرب لا تخضع لغير الله، ويشهد للعرب بذلك فصول التاريخ.

اما جماعات الإرهاب والفوضى الإيرانية المتواجدة في بعض دول المنطقة، فليست سوى أسراب جراد، ظهرت فجأة، وستتلاشى في غمضة عين. الغرب يعمل على تقنيات تخفض تكاليف الإنتاج، ومما لا شك فيه انهم سينجحون، فالرهان على التقنية والبحث العلمي رهان دائم النجاح ولا يعرف الفشل، وهذا ما تؤكده فصول تاريخ البشر على مر السنين والقرون.

ولا يمكن التنبؤ بما ستظهره الأبحاث المنكبة على بدائل النفط الناضب بطبيعته. وأول من يدفع ثمن نتائج ما سينتج عن الأبحاث والتطور التقني، الدول النفطية ذات السلوك الإرهابي المارق.

بلادنا ماضية قدما في استكمال مسيرتها التنموية والتي تتمحور حول تطور الإنسان وتقدمه والنهضة به. وكافة ما تم انجازه من بنى تحتية يأتي تأكيداً على حنكة وحكمة ولاه الأمر، وحرصهم على كل ما يؤدي الى بناء منظومة بنى تحتية تساهم في فك ارتباط اقتصادنا عن النفط.

ان الخط الذي تنهجه بلادنا لا يأتي الا بخير، ولا يؤدي الا الى ما يحمد عقباه. وليست سوى مسألة وقت فقط، حتى يتحول النفط من مصدر دخل لنا الى مصدر وقود لتحريك آلتنا الاقتصادية، فالنجاح لا يعيقه اعداء التقدم، وهذا ما تؤكده فصول التاريخ البشري. وعلى من يحلم بضعضعة بلادنا ان يعلم، ان أحلامه ستدمره قبل ان يستفيق منها.

 

نقلا عن اليوم