ثقافة استثمار المرافق الحكومية

19/01/2015 1
عبدالرحمن الخريف

خلال الأسبوع الماضي تباينت الآراء حول عزم أمانة مدينة جدة عدم التجديد لعقد استثمار الشواطئ البحرية المبرم مع إحدى الشركات الوطنية بعد انتهاء مدته وتوجه الأمانة لإزالة مواقع سياحية شهيرة وملاه ومطاعم لفتح الشواطئ لسكان جدة وتذمرهم من حرمانهم من تلك الشواطئ وشكوى المستثمر من عدم التجديد له وإيضاحه للخسائر التي تكبدها لإنشاء وتشغيل منشآته السياحية.

ويظهر مما تم في شأن طريقة استثمار تلك الشواطئ بالعقود السابقة وقيمتها وطبيعة المنشآت الكبيرة التي حجبت البحر عن أهالي جدة سنوات طويلة أن هناك إغفالا لجوانب كبيرة تتعلق بمصالح الدولة والأهالي والفائدة التي تحققها عقود البناء والتشغيل والتملك (BOT) وعبر الاهتمام فقط بتسليم مساحات كبيرة من شواطئ المدينة لشركات استثمارية لإنشاء مشاريعها لاستثمارها مددا طويلة ليتم بعد انتهاء تلك العقود إزالة جميع او معظم تلك الاستثمارات وعدم استفادة الدولة والأهالي منها بحجة تطويرها بمشاريع جديدة من الدولة ولتقتصر الاستفادة من عقود الاستثمار السابقة على المستثمر فقط وتضرر الأهالي منها بحجب الاستمتاع بالطبيعة البحرية ودفع المبالغ الباهظة لدخول مواقعها! ويضاف لذلك تضرر الأهالي من إزالة تلك الاستثمارات بفتح المجال للآخرين بجدة لرفع الأسعار وتعزيز الاحتكار بتقليل فرص المنافسة وخصوصا في النشاطات الترفيهية!

وبعيدا عن حجم الاستثمار الكبير والإيرادات المحدودة التي أوضحها المستثمر صحفيا للجميع فان العقد يبقى شريعة المتعاقدين ولاتتحمل الدولة أي خطأ في حسابات المستثمر سواء بجدوى الاستثمار والإنشاء المكلف او تجاوزات من العاملين لديه تتعلق بتضخيم المصروفات او تخفيض الإيرادات إن وجد! فالعدد الكبير الذي أوضحه كزوار لتلك المواقع السياحية وحجم المبالغ التي تدفع من الأفراد والعائلات كفيلان بنجاح تلك الاستثمارات!

ومع ما نعلمه من تفوق المستثمرين الأفراد في تطبيق مثل تلك العقود بالتشدد في عقود التأجير ومواصفات المنشآت وجودتها التي ستؤول لاحقا ملكيتها للمالك، فقد أثبتت لنا عقود تأجير شواطئ جدة وهي مدينة اقتصادية كبيرة ويعمل بالجهة الحكومية والشركة الاستثمارية كفاءات فنية ومالية أن هناك قصوراً في فهم أسس الاستثمار في الأراضي والمشروعات والمرافق الحكومية ومن خلال تحديد الجهة والموقع والمساحات الممكن استثمارها بشكل غير مؤثر على الأهالي وبحيث يستفاد مما يتم إنشاؤه خلال مدة الاستثمار في تقديم الخدمات لاحقا للأهالي بمستوى جديد وسعر مناسب بدلا من إزالتها وربما فقدها بتطبيق منح عليها كما سبق وحدث بالسنوات السابقة! ولتكون لدى المستثمر القناعة بأن ما تم استثماره هو في حقيقته سيبقى ملكا للدولة وفقا للعقد، وان أي مطالبة بتجديد عقد الاستثمار ليس له حق في ذلك إلا إذا اثبت أن هناك معوقات حالت دون تسلمه للموقع في بداية المدة، ولذلك فان استثمار تلك الشواطئ التي تمثل الواجهة البحرية للمدينة كان من الممكن أن يكون عبر عقود واضحة توفر المساحات المفتوحة لسكان المدينة ومواقع سياحية تقدم خدماتها لمعظمهم بأسعار مناسبة، وان يقتصر إنشاء المباني الكبيرة والمحلات والمطاعم الراقية في جهات جانبية وبمواقع متباعدة توفر فراغات بينها تسمح بالاستمتاع بالشواطئ وبحيث تستفيد الأمانة من تلك المواقع بتملكها بعد انتهاء مدة استثمارها وطرحها في مزايدة عامة لتشغيلها وفق شروط تجبر المستثمر على خدمات وأسعار مناسبة تتناسب مع جميع شرائح المجتمع ومن يرغب في ذلك يتقدم بعرضه بشكل واضح ووفق النظام وهو مايجب ان تكون عليه عقود الاستثمار التي تتيح للجهة الحكومية الاستفادة من إمكانات القطاع الخاص في تطبيق الأفكار الاستثمارية الجديدة والإنشاء وكفاءة التشغيل واستفادة المستثمر من ذلك وفق عقوده المحددة مدتها وبدون حاجته لاستجداء التجديد باعتبار أن المصلحة العامة هي الأساس، وان أي تجاوزات او تهاون سابق بالجهة ليس بقاعدة تُجبر مسؤولي اليوم على الاستمرار فيه.

 

نقلا عن الرياض