لا يمكن للتسوق أن يعوضنا يومًا عن الحُبّ

18/01/2015 5
د. إحسان بوحليقة

أن نوم الضحى و«نتمغط» لقيلولة الظهيرة، يكلفنا أكثر من مليون فرصة عمل في قطاع التجارة فقط، إذ يعمل في هذا القطاع (جملةً وتجزئةً) نحو 400 ألف مواطن ومواطنة من أصل 1.6 مليون، أي نحو الخُمس، فيما معدل البطالة يتجاوز 11 بالمائة، وتحويلات العمالة الوافدة بقي لها "تكة" لتتخطى حاجز 150 مليار ريال سعودي!

قرأت ما كتبه بعض مَنْ يعارض إغلاق المحلات عند التاسعة، وبالقطع فوجهات النظر تتفاوت، لكن من يظن أن التغيير الوحيد الذي سيحدث هو أن تغلق المحلات عند التاسعة وفيما عدا ذلك يبقى الحال كما هو عليه، فعليه أن يفكر ملياً.

أولاً: أساسيٌ أن نضع نصب أعيننا دائماً أن تجارة التجزئة تعتمد على عمالة وافدة، ولكن عند التأمل نجد أن هذه العمالة لا تعمل إلا ساعات قليلة، مع فترات راحة طويلة؛ للنظر متى تفتح الكثير من المحلات، ولا سيما في المجمعات التجارية، التي ينظر لها البعض باعتبارها متنفسات ترفيهية، حيث تفتح المحال في تلك المجمعات عند العاشرة، لكنها حقيقة لا تفتح عند العاشرة، بل يبدأ العمال "النشطاء" بتنظيف وتجهيز المحل، وليقوموا عملياً باستقبال الزبائن عند العاشرة والنصف، وبعدها بفترة قصيرة يغلق المحل من الظهر وحتى الرابعة عصراً، وما هي إلا ساعة أو نحوها حتى ينادى لصلاة المغرب، فنجد أن العديد من المحلات تغلق قبل الأذان بعشر دقائق، وتستمر بعدها نصف ساعة.

ولك أن تتخيل الوضع في العديد من هذه المجمعات، التي معظم روادها في ساعات المساء من النساء، غير مستعدة بالعدد الكافي من أماكن الصلاة والوضوء، حتى أصبح مشهداً مألوفاً أن تشاهد سيدات يؤدين الصلاة في الممرات والردهات، أو أنهن يضطررن للمشي مئات الأمتار، يذرعن المجمع من أقصاه لأقصاه قاصدات المصلى، فتجده -إجمالاً- مكاناً محدوداً مساحةً وتجهيزات.

وفي المقابل، نجد في العديد من مجمعات التسوق الضخمة، في بلدان مجلس التعاون المجاورة، أن المصليات منتشرة وبجانبها أماكن للوضوء نظيفة بما تتطلبه شروط الطهارة.

أعود لأقول، إن أهم التغيرات التي يجب أن تتبع قرار الإغلاق عند التاسعة، أن تبدأ المجمعات ومحال تجارة التجزئة بالعودة لما كانت الحياة عليه دوماً في بلادنا، أن تفتح صباحاً، وليس ضحىً!

فمثلاً ما الفكرة من أن يفتح دكانٌ عند العاشرة أو حتى العاشرة والنصف صباحاً، ولم يبق على أذان الظهر إلا ساعة ونيف؟! فما الذي يمنع أن يفتح عند الثامنة مثلاً؟

في تلك الحالة سيعمل الموظف أو الموظفة لمدة لا تقل عن أربع ساعات صباحاً. ثم ما الفكرة من إغلاق المحلات في المجمعات المكيفة الهواء (حيث لا حرّ ولا قرّ) بين الظهر والعصر لنحو أربع ساعات؟! وهكذا، فمبررٌ أن تفتح المحال صباحاً، وأن تستمر المجمعات تستقبل الزبائن طوال النهار (فيما عدا أوقات الصلاة)، وإلا فإن في ذلك إهدارا لأوقات المتسوقين والمتسوقات، وللموظفين والموظفات.

سألت صديقا أمريكيا: لماذا تغلق المجمعات التجارية عندكم مع حلول المساء؟ أجاب: لقلة الزبائن! فالمساء وقت الأسرة.

أظن أن التشوه الذي علينا إصلاحه، هو أننا نتسوق عطورا ومكياجا وملابس وأدوات كهربائية وأثاثا، في أي وقت، في حين أن تسوقاً من هذا النوع ليس طارئاً، أما ما لا تستطيع الأسرة الاستغناء عنه، من مأكل ومشرب ودواء، فمحاله تبقى مفتوحة.

وإصلاح التشوه في أوضاع التسوق، يتطلب البعد عن الهدر القائم في أوقات العمالة وامتدادها على ساعات النهار والليل، بما يجعل إقبال السعوديين والسعوديات على فرص العمل تلك محدود، والسبب واضح أن للمواطنين التزامات أسرية عليهم القيام بها مساءً.

وللتذكير، فإن معظم البطالة في المملكة نسائية، وللتذكير كذلك فإن كل عامل وافد يحوّل شهرياً لخارج المملكة -في المتوسط- نحو 1200 ريال سعودي، بافتراض أن عدد العمالة الوافدة 10 ملايين، وأننا إن بقينا نتعامل بعقلية "يا جبل ما يهزك ريح" نحو تصدير أموالنا وفرص عملنا، فسنعاني اجتماعياً واقتصادياً.

 

نقلا عن اليوم