قبل سنوات طويلة كانت تبريرات معظم مسؤولي الجهات الخدمية بتدني مستوى الخدمات، هي عدم توفر الاعتمادات المالية وكان الجميع يلتمس العذر في ذلك باعتبار أن الميزانية كانت تعاني من عجز كبير، إلا انه ومع ارتفاع أسعار النفط واعتماد المشروعات حاولت تلك الجهات إقناعنا بان السبب في استمرار النقص الحاد بخدماتها يعود لتعثر مشاريعها للخروج من مأزق عدم قدرتها على توفير الخدمات بالمستوى المطلوب!
ولكون خدمات القطاع الصحي في نظر المواطن من أهم الخدمات التي لها الأولوية لتحسينها وشمولها مدن ومحافظات المملكة، والتي تعتبر وزارة الصحة الجهة المختصة الرئيسة لتوفيرها وتبرر نقص الخدمة بسبب تعثر مشاريعها، فإنه إذا كنا نرى حاليا المستوى المتدني للخدمة الصحية في مبانيها الحكومية الواسعة للمستشفيات والمراكز الصحية بمختلف المدن والقرى، هل يمكن لنا التفاؤل بتقدم تلك الخدمة إذا انتهت مشاريعها المتعثرة؟ فالحقيقة التي نراها بكل أسف تشير الى أن الوضع الصحي لن يتحسن مستقبلا مع الفكر الإداري الذي يسير أعمال الوزارة منذ سنوات طويلة ويتوارثه مسؤولوها، وسيبحثون حينها عن أسباب أخرى - ومنها ما قد تكون قديمة - للخروج من المأزق الجديد! وعندما تبرر الوزارة بتأخر خدماتها فإنها دائما ما تشير الى اعتماد خطتها على تفعيل مراكز الرعاية الصحية بالأحياء وإنشاء مستشفيات تخصصية بالمدن و.. مع ملاحظة انه مع تعيين كل وزير تتغير الاستراتيجيات والخطط والتوجهات والسنوات تمضي والمواطن مازال ينتظر!
فإذا كانت الوزارة تنتظر انتهاء مشاريع مراكز الرعاية الصحية لتقليل معاناة الانتقال من القرى واحياء المدن للمستشفيات، فإنني أتساءل الجدوى منها والخدمة الكبيرة المنتظرة التي ستقدمها للمواطن ونحن نرى محدودية الخدمة حاليا بتلك المراكز واقتصار الاستفادة من معظمها على التطعيم؟ بل أشاهد في طريقي اليومي مركزاً صحياً جديداً مكتمل البناء منذ سنوات مازال مغلقا! وهناك مبنى بادرت الوزارة باستئجاره بمبلغ كبير منذ أكثر من عام ولم يتم إنهاء تجهيزه وتقديم الخدمة حتى الآن! وقد شاهدت في قسم الطوارئ بمستشفى حكومي رئيس مشيد بأحد الأحياء الكبيرة خلال فترة المناوبة الليلية انه لاتوجد إلا ممرضة واحدة تتنقل بإجهاد بين طبيب وجراح! فإذا كنا بسنوات الطفرة لم نُحسن الخدمة الصحية التشغيلية في مستشفياتنا المقامة حاليا على مبان حكومية كبيرة ولم نستغل المراكز الصحية ونوفر لها جميعها الأجهزة والكادر الطبي والفني اللازم فان انتهاء مشاريع المباني الصحية لن يضيف أي شيء لخدمة المواطن!
ومن هنا قد يرى معالي الوزير الدكتور محمد ال هيازع أهمية التركيز على الفكر الذي يدير هذا القطاع المهم منذ سنوات طويلة الذي تسبب في إخفاق مسؤولين سابقين كانوا يهدفون لتقدم هذا القطاع لتخليصه من فكر البحث عن الأسباب التي تركز على إخلاء مسؤولية الوزارة الى المبادرة بتبني كل مايمكن أن يحسن الخدمة بالإمكانات المتاحة بمبانيها حاليا، فلا يوجد هناك مبرر لخلو مستشفيات حكومية من أدوية وأجهزة طبية تلزم الطبيب المتخصص والاعتمادات المالية متوفرة وربما متكدسة بالمستودعات! ويبقى الأهم أن تكون لدينا الشفافية في إبراز المعوقات الحقيقية التي تحول دون توفير الكادر الطبي والفني للمستشفيات والمراكز الصحية لمختلف التخصصات وعدم مجاملة جهات حكومية على حساب صحة المواطن! فلايمكن قبول أن ترسل الوزارة فرق التعاقد الخارجي مع الكوادر وهي تعلم أنهم سيفشلون في التعاقد مع الكفاءات الطبية والتمريضية لمحدودية الرواتب المقدمة في وقت تقدم لهم دول أخرى اقل ميزانيات من المملكة رواتب ومغريات مالية أكثر! فنحن نريد الآن أن نؤسس لتنظيم جديد يسخر الأنظمة والتعليمات لتقديم الخدمة بالمستوى اللائق لكوننا نريد أن نستفيد من المشروعات الصحية الكبيرة بعد استلامها وعدم بقائها مباني خالية او بخدمة محدودة واقتصار الفخر بإدراجها كإنجاز بإنهاء المشاريع المتعثرة!
نقلا عن الرياض