هل نحن بحاجة إلى صندوق سيادي؟

06/01/2015 0
د. فواز العلمي

في إجابته الأسبوع الماضي، بعد إعلان الميزانية السعودية، عن حاجة المملكة لتأسيس صندوق سيادي لإدارة واستثمار جزء من عائدات النفط على غرار الدول الأخرى، أجاب وزير المالية السعودي: "إن احتياطات المملكة تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي، التي تُصَنَف دولياً على أنها صندوق سيادي، وتدّر عائداً يماثل تلك التي تحققها الصناديق السيادية العالمية، وأن الاختلاف هو في أسلوب الإدارة وأمد الاستثمار.

وأكد معاليه على: "أن الهدف من أي صندوق سيادي هو تحقيق عائد مناسب دون المخاطرة بأموال الشعب، وأن هذا العائد من الاستثمار في المملكة يماثل أو قد يزيد في بعض السنوات عن عائد الصندوق السيادي النرويجي، حيث وصلت العوائد السعودية إلى حوالي 11% في السنوات الخمسة الماضية".

طبقاً لتصنيف صندوق النقد الدولي، هنالك أربعة أنواع من الصناديق السيادية، التي تتفق على المبادئ وتختلف في الأهداف: أولها صناديق الاستقرار الهادفة لحماية الميزانية من تأرجح أسعار السلع، وثانيها صناديق الادخار الهادفة لتنويع الأصول المتجددة، وثالثها صناديق الاستثمار الهادفة لزيادة عوائد الاحتياطات، ورابعها صناديق التنمية الهادفة لتمويل المشاريع التنموية. 

وطبقاً لتصنيف مؤسسة التمويل الدولية، هنالك أربعة أنواع من الصناديق السيادية، التي تتفق على وسائل الإدارة وتختلف في مصادر التمويل: أولها الصناديق الممولة من عوائد المواد الأولية مثل النفط، وثانيها الصناديق الممولة بفوائض المدفوعات الجارية الناتجة عن تنافسيتها التصديرية، وثالثها الصناديق الممولة بعوائد برامج خصخصة القطاعات الحكومية مثل الاتصالات، ورابعها الصناديق الممولة من فوائض الميزانية لاستخدامها في زيادة استثماراتها وتنميتها.

من هنا يتضح أن مؤسسة النقد العربي السعودي تقع ضمن هذه التصنيفات، وتؤدي الهدف المطلوب من الصندوق السيادي السعودي، الذي فاقت فوائضه المالية 762 مليار دولار في نهاية عام 2014، طبقاً لإحصاءات "معهد الصناديق السيادية". وحل الصندوق السعودي في المرتبة الثانية عربياً والرابعة عالمياً من حيث الحجم بعد الصين التي ارتفعت قيمة صناديقها السيادية إلى 1827 مليار دولار أميركي، وحلت النرويج في المرتبة الثانية عالمياً بقيمة 893 مليار دولار، ثم صندوق أبوظبي في الإمارات بقيمة 773 مليار دولار. كما جاء صندوق الكويت السيادي، الذي كان أول الصناديق تأسيساً في عام 1953، بالمرتبة الثالثة عربياً بقيمة 410 مليارات دولار أميركي، تلاه الصندوق القطري في المرتبة الرابعة بحجم 170 مليار دولار.

مع بداية عام 2015 وصل عدد الصناديق السيادية في العالم إلى 652 صندوقاً وبلغت قيمتها الإجمالية حوالي 7 تريليونات دولار أميركي، والتي من المتوقع أن ترتفع إلى 10 تريليونات دولار في نهاية العام الجاري. ولكن بعد تحقيقها أرباحاً ضخمة في عام 2013، انكمشت أرباح هذه الصناديق في عام 2014 بسبب تنوع استثماراتها في الأسواق الناشئة عالية النمو، مما أدى إلى ضعف عوائدها في الفترة الأخيرة بسبب استثماراتها بنحو 5 تريليونات دولار في أصول النفط وأسواق الأسهم.

وعلماً بأن الأسواق الناشئة في الشرق الأوسط وآسيا استحوذت على 62% من الصناديق السيادية العالمية، إلا أن هذه الأسواق أخفقت في تحقيق الأرباح المرجوة لصعوبة جذب رؤوس الأموال وانعدام مبادئ الشفافية والاستشراف وضعف إدارتها المالية والاستثمارية، مما أدى إلى تفاقم خسائرها، التي فاقت 6% في الصندوق السيادي لدولة النرويج.

لهذا وجب التأكيد السعودي على أن هدفنا الأول يرمي إلى عدم المخاطرة باحتياطات المملكة النقدية.

وبالرغم من أن هذه الصناديق لعبت دوراً إيجابياً خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، إلا أن الدور السلبي للأزمة كان له أكبر الأثر على هذه الصناديق، وخاصة الخليجية منها، إذ تعرضت إلى خسائر قدرتها مجلة "إيكونمست" البريطانية بحدود 400 مليار دولار، وتمثل 4% من حجم الخسائر التي تحملها الاقتصاد العالمي بسبب الأزمة حسب تقديرات بنك إنجلترا. 

وعلماً بأن دراسات مصرف "ستاندرد تشارترد" الأميركي تؤكد أن حجم الأموال التي ستمتلكها الصناديق السيادية في العالم قد يتجاوز خلال العقد القادم 14 تريليون دولار، فيما تقدر مؤسسة "مورغان ستانلي" أن هذه الموجودات تفوق 17 تريليون دولار، إلا أن أحجام وموجودات هذه الصناديق لا تمثل سوى 15% من الأصول المدارة من قبل شركات التأمين، و27% من الأصول المدارة من قبل صناديق المعاشات، و50% من احتياطات الصرف العالمية، مما يضع الصناديق السيادية في المرتبة الرابعة من حيث الأهمية في الأسواق المالية العالمية.

ومع ذلك لا زالت المملكة تمارس مهامها في النظام المالي العالمي من خلال أحجام ودائعها في مؤسسة النقد العربي السعودي، واستثمار جزء من فوائض عوائد النفط لصالح الأجيال بعد نضوب مواردنا الأولية. إلا أن قدراتنا على تنويع مصادر ناتجنا المحلي وتطوير أنشطتنا الاقتصادية الجديدة وتوفير الموارد الدائمة والمنتظمة في أسواقنا المحلية لا زالت تسير بخطى بطيئة ليستمر اقتصادنا مرهوناً ومرتبطاً بالنفط القابل للنضوب.

لذا لا بد من زيادة فاعلية دور الصندوق السعودي في امتصاص صدمات الانخفاض في أسعار المواد الأولية، ليسمح بتوفير دخل سنوي غير مرتبط بالأسعار، للمساهمة في تحقيق مزيد من الاستقرار الاقتصادي، وتقليص الاعتماد على واردات السلع الاستهلاكية، وتأثيرات التضخم المستورد.

نحن في أمس الحاجة إلى توسيع قاعدتنا الاقتصادية وتشجيع تدفق استثماراتنا المحلية وفتح الأبواب لمبادراتنا التنموية وتوفير الوظائف ذات القيمة المضافة العالية، سواء من خلال إنشاء الصناديق السيادية أو عبر مؤسساتنا المالية وأجهزتنا الحكومية.

 

نقلا عن الوطن السعودية