الاقتصاد السعودي وعمود الخيمة

05/01/2015 0
د.عبد الوهاب أبو داهش

 في بداية 2014 كانت توقعات نمو الناتج المحلي السعودي عند 4%، ومنها توقعات صندوق النقد الدولي، وكانت توقعات أسعار النفط أن تتجاوز 100 دولار للبرميل، وأن يحدث فائضاً يتجاوز 200 مليار ريال رغم أن الموزنة التقديرية لسنة 2014 كانت متوازنة عند 855 مليار ريال، وكانت أهم التوصيات التي أصدرها الصندوق النقد الدولي للحكومة السعودية في 2013 هي خفض النفقات وتهدئة النمو المتسارع ولجم كباح التضخم. وعطفاً على كل ذلك كانت التوقعات "المتشائمة" ترى أن السوق المالية السعودية ستصعد بنسبة 20% على أقل تقدير، وأن يقفل العام على 12000 نقطة.

كل هذه التوقعات المتفائلة استمرت حتى منتصف يوليو العام الماضي ومنها تقرير صندوق النقد الدولي عن الاقتصاد السعودي، الذي أضاف شيئاً واحداً هو أنه حذر من أول عجز للميزانية الحكومية في 2015، ومع ذلك رأى أن سنة 2014 ستمر بسلام. لقد تجاهل الصندوق أن خيمة الاقتصاد السعودي تقف على عمود واحد هو النفط واستمر في تفاؤله عن النمو، ولحقه الكثير من المراقبين في نفس الرؤية والتوقعات. لم نكن نحن المراقبين نتوقع أن تتهاوى أسعار النفط بهذه الحدة، رغم أننا نراها تتراجع من شهر الى آخر منذ يونيو الماضي، ولم نطلب تفسيراً من وزير النفط على هذه التراجعات كونها تراجعات طبيعية وموسمية، الا أنني كنت من أول من دب في نفسه التوجس بعد انخفاض قيم التدولات في سوق الاسهم المحلية، تلته أرباح قال عنها الكثير إنها جيدة في الربع الثالث لكنني كنت أراها ضعيفة وخصوصاً النمو في الأرباح وطبيعة هذا النمو. عدت الى أسعار النفط فوجدتها تتراجع بأكثر مما يجب، ولاح في ذهني تصريح وزير النفط السعودي بعد عيد الأضحى مباشرة بعدم قلقه على أسعار النفط. وعندما ترى الاسعار تتراجع والأرباح تنمو ضعيفة فإن هناك أمراً ما يحدث في الأسواق لم يظهر حتى الآن. الا أن المفاجآت تتوالى في بداية الربع الرابع ابتداء بإعلان ركود أوروبا وتراجع الصين وضعف اليابان، وبدأت تتعالى أصوات المحللين والمراقبين بلغة أكثر حدة عما قبل.

وعلى عكس ذلك كان الاقتصاد الأمريكي يخرج بنمو فاق كل التوقعات في الربع الثالث وبنمو قدره خمسة في المائة، وبزيادة في الانتاج النفطي يتجاوز 9 ملايين برميل في اليوم. من هنا بدأت تتبدل الأحوال والأسواق، لنبدأ عصراً جديداً انفصل فيه الاقتصاد العالمي عن الاقتصاد الامريكي، والنفط دخل في صراع جديد بين نفط تقليدي ونفط صخري، وبدأت تتعالى الأصوات عند اقتراب أسعار النفط من 60 دولاراً للبرميل في نهاية 2014، لنبدأ عاماً جديداً وبتحديات جديدة بدأت باقتراب أسعار النفط من 56 دولاراً للبرميل، وبداية عهد تصدير النفط الصخري.

لم يكن مستغرباً أن تنعكس كل تلك الأحوال والأهوال على الاقتصاد السعودي ليجري بعكس ما اشتهت السفن، فتراجع النمو ليسجل نمواً جارياً خجولاً بواحد في المائة فقط، وتراجع في نمو القطاع النفطي بأكثر من 7%، مع نمو حقيقي في القطاع الخاص بأعلى من 5%، وحكومي بأعلى من 4%، ليتم انقاذ ماتبقى من ماء وجه الاقتصاد السعودي لينهي العام بنمو حقيقي أقل من توقعات بداية العام عند 3.6%، لكن ندبة العجز المالي بنحو 54 مليار ريال على غير المتوقع تظهر في 2014، وتتفاقم في 2015 بتوقعات عجز عند 145 مليار ريال، وهي بوادر غير مشجعة لعام جديد رغم قدرة الحكومة على الإنفاق، فهي تستطيع أن تسند عمود الخيمة لفترة محدودة لكنها ومع كثرة العواصف قد تجد أن الخيمة تتهاوى مع الأطراف.

 

نقلا عن الرياض