التقرير الذي لم يغضبنا

05/01/2015 0
جمال بنون

لم أستغرب من التقرير الذي نُشر قبل أسبوع، على أن السعودية احتلت المركز السادس عالمياً من بين الدول الأكثر تعرضاً للتحويلات غير الشرعية للأموال.

وبحسب التقرير الذي نشرته منظمة النزاهة المالية العالمية، فإن 40 بليون دولار خرجت قبل عامين، وأكثر من 310 بلايين دولار خلال عامي 2012 و2013. وهناك أكثر من سبب جعلني أصدق هذا التقرير، أولاً: أنه لم يصدر أي بيان أو نفي من أي جهة حكومية أو مؤسسة رقابية، كما هو المعتاد في البيانات والتقارير الدولية، ثانياً: لا مؤسسة النقد، ولا هيئة سوق المال، ولا هيئة مكافحة الفساد «نزاهة»، ردت أو زعمت أن ما جاء في التقرير غير صحيح.

أما الأمر الثاني الذي يدفعني إلى الاقتناع، وهو أنه لا يمكن في بلد يحتل فيه التوظيف الوهمي للمواطنين مرحلة متقدمة، وهو ما دفع وزير العمل السعودي المهندس عادل فقيه، إلى أن يعلن في لقائه مع طلاب جامعة الملك عبدالعزيز أن هناك تنسيقاً بين وزارة الداخلية لاعتبار التوظيف الوهمي جرماً يجب أن يقدم صاحبه إلى العدالة، أما ما يعزز قناعتي في أن التقرير صحيح، وهو أن 80 في المئة من الأنشطة التجارية المتوسطة والصغيرة يديرها وافدون ويسيطرون عليها، وليس للسعوديين صلاحيات في إدارة المحل من حيث التسويق والتوزيع، ليس لهم فقط سوى ما يحصلون عليه كل شهر في مقابل السجل التجاري والترخيص، أما الملاك الحقيقيون هم الأخوة الوافدون، الذين أقاموا أنشطة تجارية بعرق جبينهم، وإذا لم تصدقوا ما قلته لكم، فالحملات التفتيشية التي نفذتها أمانة مدينة جدة وبقية الأمانات في المدن على المطاعم دليل على كلامي، فالكثير من المطاعم أغلقت ولم يعلم بها صاحبها إلا بعد فترة.

التقرير المخزي والمؤسف، الذي فضح واقع حالنا الاقتصادي يشير إلى أن نمو تدفقات الأموال غير الشرعية كان أسرع وتيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ بلغ معدل الزيادة 24.2 في المئة، مشيرًا إلى أن الاحتيال في فواتير الصفقات التجارية كان الوسيلة الأكثر شيوعاً في تحريك الأموال غير الشرعية، موضحاً أنها تشكل نحو 78 في المئة من التدفقات غير الشرعية في 2012.

يتولى متمرسون في تحويل الأموال، إخراجها في عمليات غسل الأموال إلى ملاذات آمنة، في سويسرا وجزر كايمن والكناري، والتي لا تخضع إلى الرقابة الدولية، وهي ناتجة من استغلال النفوذ والتربح غير المشروع والفساد المالي، وجاءت السعودية في المرتبة الأولى عربياً وخليجياً، والسادسة عالمياً في تدفقات الأموال غير المشروعة، تلتها الإمارات في المركز الـ11 عالمياً، ثم العراق بالمرتبة الـ13. وكشف أن الجريمة والفساد يستنزفان تريليون دولار سنوياً من الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، إذ يؤدي اختفاء الأموال القذرة إلى أضرار بالغة بالمناطق الأشد فقراً في العالم.

وأضاف التقرير أن أموالاً بلغت 991 بليون دولار غادرت 151 اقتصاداً نامياً وناشئاً في 2012، بزيادة نحو 5 في المئة عن العام السابق، مشيراً إلى أن الأموال غير الشرعية التي نزحت من الدول النامية بين 2003 و2012 بلغت نحو 6.6 تريليونات دولار، وارتفعت 9.4 في المئة سنوياً، مع أخذ التضخم في الحسبان، وهو ما يعادل نحو ضعفي معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وشهدت الصين وروسيا والمكسيك والهند وماليزيا والسعودية والبرازيل وإندونيسيا وتايلند ونيجيريا، أكبر نزوح للأموال القذرة على مدى العقد وفي 2012 أيضاً.

الوضع الاقتصادي سيظل يعاني من عدم وجود شفافية وحزم في التعامل، وطالما هناك 12 مليون وافد يعملون في البلاد، إضافة إلى مليون ونصف المليون من المقيمين بطريقة غير نظامية، فهل نصدق أن الواقع الاقتصادي كامل الشفافية، وأن أجهزة الرقابة تقوم بدورها بأكمل وجه! طبعاً مستحيل، الشارع الاقتصادي السعودي لا يمارس بطريقة صحية، وشباب الأعمال يواجهون معوقات ومشكلات. أن تحصل على معلومة حقيقية مستحيل، معظم الأرقام غير صحيحة، سواء أكانت توظيفاً أم أنشطة تجارية.

المعوقات والتعقيدات التي تتعامل معها المؤسسات الحكومية مع القطاع الخاص أوجدت لنا بيئة غير محفزة للنشاط الاقتصادي، تحتاج إلى واسطاتٍ؛ لإنجاز معاملاتك، أو للحصول على ترخيص. غابت المعايير والعدالة الاجتماعية فنشطت في المقابل كل أنواع التحايل، وأساليب الغش والخداع، والسرقات من الموازنات أو تزوير فواتير، كل هذا من أجل كسب المال وليس كسب ثقة المتعاملين، فليس بمستغرب أن يكون الوضع الاجتماعي والاقتصادي متشابهاً للكثير من الدول النامية.

قبل أسبوع نُشر في إحدى الصحف أن العمال يسرقون مواد بناء من مقر مبنى مركز الملك عبدالله المالي الذي يبنى من سنين، وإذا تصفحت الأخبار ستجد معظمها ضبطيات أو سرقات أو احتيال، أو حتى إغلاق، تعتقد للوهلة الأولى أن كل إدارة حكومية تعمل منفصلة تماماً عن الأخرى، وليس هناك منظومة إدارية أو رقابة شاملة.

خلال السنوات الخمس الأخيرة ارتفعت تحويلات الوافدين بشكل لافت، وبحسب تقرير رسمي التحويلات ارتفعت بنسبة 3.4 في المئة وبقيمة بلغت 102 بليون ريال، ولكن تحويلات الوافدين المقيمين بطريقة غير شرعية ليست ضمن الحسابات الرسمية، ولا شك أنها تسلك طرقاً غير شرعية. هذه الفوضى الموجودة في الشارع الاقتصادي أسهمت بشكل كبير في تحويل أموال إلى جماعات إرهابية؛ فمعظم الحملات الأمنية التي نفذتها وزارة الداخلية وجدت الكثير من العملات مع هؤلاء الإرهابيين، ونشطت تجارة بيع الأسلحة وتهريبها والاتجار بالمخدرات ورجال حرس الحدود والجمارك أحبطت محاولات من هؤلاء المهربين.

حينما يصدر تقرير من منظمة دولية ويضع السعودية في هذه المرتبة المتقدمة من الفساد، فهذا مؤشر خطير، في بلد تربى شعبها ومنهج دينها ودستورها القرآن الكريم والسنة النبوية ويحرص مسؤولوها على التأكيد بأهمية تطبيق شرع الله، وفي الأخير نجد أن الفساد وغسل الأموال وأموالاً غير مشروعة هو ما يميزها عالمياً! هذا التقرير إذا لم يحرك جهات عليا ولا حتى المسؤولين عن النزاهة ومكافحة الفساد، فهذا يعني أننا نقطع طريقاً شائكاً وصعباً، لن يحقق لنا تنمية حقيقية إنما سنبقى نفرح بإنجازاتنا الاقتصادية الوهمية.

 

نقلا عن الحياة