الصناديق السيادية لدول مجلس التعاون (1 - 2)

04/01/2015 4
د. أنور أبو العلا

سأخصص الجزء الأول من هذا المقال -المكوّن من جزءين - لسرد ثلاث قصص للاعتبار. منها قصتان حقيقيتان إحداهما أنا بطلها (الأصح ضحيّتها) والثانية أنا شاهد عيان على إحدى حكايات العديد من الضحايا للطفرة الأولى. أما القصة الثالثة فهي من الخيال لمجرد العبرة لمن يشاء أن يعتبر.

القصة الأولى: قبل خمسة وعشرين سنة أغرتني دعايات بنك يسمىBuffalo Savings Bank في صحيفة ومحطات تلفزيون مدينة بفالو (أكبر مدن ولاية نيويورك بعد مدينة نيويورك) بأن فوائده مضمونة وأنها أعلى كثيرا من فوائد البنوك الأخرى.

توكلت على الله مسترشدا بفتاوى بعض مشايخنا التي كانت في عنفوانها حينذاك تبيح (لأول مرة) أخذ الفوائد والتبرع بها لأعمال الخير، فوضعت في البنك الحيلة ورأس المال وحصلت على دفتر ادخار كل شهر يصلني إشعار بإضافة مبلغ الى الرصيد الى ان حان وقت الرحيل الى الرياض فأقفلت حسابي الجاري في البنك الآخر وحولت تحويشة العمر الى بنك الادخار.

استمر البنك وفياً تصلني إشعاراته بالمبالغ المضافة ولكن لم يطل الزمان حتى توقفت الإشعارات. ثم فجأة وصلتني رسالة من المصفّين يخبرونني بإفلاس البنك وأنهم سيشعرونني بالمتبقي - إذا تبقى شيء - من رأسمالي بعد التصفية. (المستفاد: زيادة طفيفة في العوائد غالبا تضيّع كامل رأس المال).

القصة الثانية: الذين عاصروا الطفرة الأولى يعرفون أن بعض موظفي الحكومة لا سيما خارج الهيئة (المراسلون والفراشون) استقالوا من وظائفهم والتحقوا بشتى الأعمال أهمها وظيفة معقّب ومخلص وسماسرة للتوسط لدى المسؤولين في دوائرهم السابقة لترسية المشاريع على من يدفع الأكثر. ومن ثم رزقهم الله بسطة في المال وأصبحوا يلقبون: الشيخ، الوجيه، رجل الأعمال وبعضهم ضرب عصفورين بحجر واحد فاشترى بحر ماله شهادة الدكتوراه ولقب الدكتور.

أحد هؤلاء العصاميين (نعم عصاميون فقد كوّنوا أنفسهم من لا شيء) عاصرت قصة مسيرة صعوده الى طبقة المليونيرات وهبوطه فجأة الى طبقة ميسوري الحال.

لقد بدأ حياته معقباً وكان يحصل على دخل يجعله يعيش في بحبوحة ويدخر الفائض. ولكن فجأة شعر بأن لقب المعقب لا يليق بمكانته وقدراته المالية ولابد ان يستبدله بلقب رجل الأعمال فقرر الدخول في مجالات عدة متنقلاً بين عدة أعمال من غير أن يعرف الفرق بين الربح ورأس المال.

بعد الطفرة قرر أن يستعين بمحاسب ليحصي ثروته فتفاجأ أن ما كان يقوله مدير أعماله بأنها أرباح صافية هو مجرد رأسماله يخرج من جيبه الأيمن ويدخل لجيبه الأيسر فاضطر أن يصفي أعماله ويكتفي بلقب: الشيخ الوجيه الدكتور رجل الأعمال (سابقا). (المستفاد: حذار ممّا يروّجه المسترزقون).

القصة الثالثة: يحكى أنه كان يوجد ثلاثة دول (سين، وكاف، والقدوة) رزقها الله بكنوز من الذهب فطبّقت القدوة خطة لتنويع مصادر دخلها. وقررت سين ان تشيّد أكواما من الأسمنت والحديد وايداع الفوائض في الأذونات والسندات الحكومية. وقررت كاف أيضا بناء أكوام من الحديد والأسمنت ووضعت فوائضها فيما تسميه صندوق الأجيال القادمة.

بينما كانت القدوة تتحول بسرعة الى دولة صناعية عظمى، انهمكت الدولتان سين وكاف في التوسع في إنفاقهما الاستهلاكي والتفاخر بتراكم فوائضهما المالية في الخارج.

دوام الحال من المحال فقد أدى تنافس الدولتين سين وكاف على زيادة إنتاج وتصدير الذهب الى حدوث فائض في اسواق الذهب العالمية وانهيار أسعاره.

لم يتأثر اقتصاد الدولة القدوة بانهيار أسعار الذهب، ولجأت الدولة سين لتسييل أذوناتها وسنداتها برأس مالها الأساسي. أما الدولة كاف فعندما أرادت تسييل أصولها وجدت أن قيمتها لا تساوي نصف ما كان يدّعيه السماسرة في سجلاتهم الدفترية فنصحها المشرفون على صندوقها بأن الأجدى لها الاقتراض لقاء رهن أصول صندوقها للأجيال القادمة، ولم تلبث طويلا حتى عجزت عن تسديد قروضها فانتقلت أصولها الى جيوب الدائنين. (المستفاد: متروك للقراء كل يغني على ليلاه).

 

نقلا عن الرياض