بينما كنا نستمتع طيلة السنوات الماضية بأسعار النفط الّتي تجاوزت الـ100 دولار ونردد في تقاريرنا ومن خلال إعلامنا أن النفط الصخري ما هو إلا فورة عابرة لن تغير موازين سوق النفط العالمي، كانت الشركات الأمريكية حينها تعمل ليلا نهارا على تطوير تقنيات التنقيب في النفط الصخري.
وانخفضت كلفة إنتاج البرميل في بعض الحقول من أكثر من 90 دولارا إلى أقل من 50 دولارا، وارتفع إنتاج بعض الحقول بنسبة 300% بسبب تطوير تقنيات التنقيب واستخراج النفط.
قد تكون الخصائص الفيزيائية والجيولوجية لمكامن النفط الصخري ثابتة، ولكن المتغير هو قدرة الإنسان على تحسين وسائل الإنتاج.
عندما كنا نقلل من قدرة النفط الصخري على تغيير موازين السوق، تناسينا أن المعايير التي كنا نستخدمها قبل ثلاث أو أربع سنوات قد تتغير، وهذا ما حدث فعلا.
من المؤسف أن يكون رهاننا دائما على أن العالم سيستمر في الاعتماد على نفطنا، وأن يكون رهاننا أن أسعار النفط ستبقى مرتفعة، وأن دخلنا من النفط سيكون كافيا لتلبية احتياجاتنا وتلبية متطلبات الاستثمار في البنية التحتية.
عندما نتحدث عن كساد أو انهيار اقتصادي في دولة متقدمة فنحن نتحدث عن زيادة إضافية في البطالة قد لا تتجاوز 5%، ونتحدث على الأرجح عن تباطؤ اقتصادي وليس انكماش، وإن كان هناك انكماش فهو لا يزيد عادة عن 5%.
أما في حالتنا، فإن هبوط أسعار النفط، مصدر دخلنا الوحيد تقريبا، قد يؤدي إلى انكماش ناتجنا المحلي بنسب تتجاوز 20 أو حتى 30 بالمائة.
أما البطالة، فإن توقف الإنفاق الحكومي يعني تباطؤا حادا في القطاع الخاص، مما يعني أن قدرة الاقتصاد على خلق وظائف عالية الجودة ستكون شبه معدومة.
كما أن الحكومة لن تستطيع توظيف المزيد من المواطنين في القطاع الحكومي، ليس فقط لأن التوظيف بدون حاجة حقيقية هو قرار غير صحيح اقتصاديا، ولكن أيضا لأن الدولة لن تكون قادرة على تحمل أعباء إضافية على ميزانياتها. فرواتب الموظفين في القطاع الحكومي تستهلك حاليا أكثر من 300 مليار ريال سنويا.
لذلك فلن يتمكن الاقتصاد من امتصاص السيل الجارف من الشباب الذين سيدخلون سوق العمل خلال العشر سنوات القادمة، والذي سيتجاوز 3 ملايين مواطن حسب التقديرات الحكومية.
لا يمكن الجزم باتجاهات أسعار النفط في السنوات القادمة، أقصى ما يمكن للمحللين الاقتصاديين طرحه هو احتمالات، وتبقى جميعها واردة. ولكن إلى متى نبقى رهائن لتلك الاحتمالات؟
أمريكا مستمرة في إنتاج نفطها الصخري، ونموها تجاوز 1 مليون برميل سنويا، وحسب تقديرات بعض المختصين، ستتوقف أمريكا عن استيراد النفط نهائيا في عام 2019 وتبدأ بالتصدير. قد يبطئ الهبوط الحالي للأسعار هذا النمو، ولكنه على الأرجح لن يوقفه.
وحسب تقارير صحفية، تهدف أوبك من خلال قرارها الأخير في إبطاء نمو إنتاج النفط الأمريكي إلى نصف مليون بدل 1 مليون.
قد يعود سعر النفط إلى أكثر من 100 دولار، وقد يستمر بالانخفاض ليصل إلى أقل من 40 دولارا.
يفترض ألا يكون سعر النفط المستقبلي هو همنا، وألا تكون غاية أمانينا أن يعود سعر النفط لمستوياته المرتفعة السابقة.
ولكن يفترض أن نبدأ بإصلاحات اقتصادية حقيقية وأن نعمل على إزالة تشوهاته، لنبدأ بعد ذلك بالتحرك فعليا باتجاه بناء اقتصاد منتج لا يعتمد على النفط، ولا يجعلنا نتابع أسعاره ليلا نهارا.
من ذاق طعم العسل لن يستطيع ان يعود ليأكل البصل ومن تنعم بميزانية تفوق الترليون لن يستطيع أن يعود للعيش بميزانية بحدود ال200 مليار كما كنا قبل سنوات عشر مضت وعلى الدولة أن تعلم ان العودة لتلك المستويات بعد سنوات الرخاء سيكون له تبعات خطيرة على الأمن والتفكير في الشارع العام وكل هذا سببه انعدام التخطيط والرؤية والفساد. مازال هناك متسع ضيق لتدارك ما يمكن تداركه والله تعالى اعلى واعلم.
ماعجزنا عن عمله في 20 سنة من التنمية الورقية ,, لن نستطيع عمله في 4 سنوات حتى 2019 المتوقع فيها أن تدير لنا امريكا ظهرها ,, هذا على الجانب الاقتصادي ,, اما على الصعيد السياسي فلا أستطيع الا أن اقول ( اللهم الطف بنا وأنت ارحم الراحمين )
لا لم ينتهي بعد
لقد مررت من هنا!