الإيجابيون يستثمرون المواقف والأحداث السلبية أو التي قد تفرز آثارا سلبية، ليحصلوا على نتائج إيجابية.
"لن تؤثر تراجعات النفط على المشاريع الكبرى والإنفاق الحكومي"، هذا التصريح تكرر في عدة بلدان نفطية، لكن ما هو أهم من ذلك أن يكون تراجع أسعار النفط محفّزا على المضي بشكل أسرع في التنمية الشاملة، لاسيما بمنظومتي التعليم وتطوير الموارد البشرية إجمالا، واستكمال مشاريع البنى التحتية.
ما يخشاه الناس في البلدان النفطية أن تتراجع إيرادات الدولة نتيجة تراجع أسعار النفط، وبالتالي تقوم الحكومة بتخفيض الإنفاق على المشاريع، أو تخفيض الدعم على السلع والخدمات المدعومة، أو تفرض رسوما وضرائب جديدة، او تتخلى عن زيادة الرواتب، أو تمزج بين كل ذلك أو بعضه.
وستستمر هذه التخوفات، وسيستمر التأثّر سلبا بتذبذبات أسعار النفط، طالما هناك خلل في هيكلية الاقتصاد، أو خلل في هياكل الإنتاج، باعتماده على قطاع واحد بشكل رئيسي، ينشط بنموه ويضعف بتراجعه.
من الضروري أن يكون انخفاض أسعار النفط محفّزا للتنمية، ومحفزا لتحقيق هدف التطور الاقتصادي، وتنويع الاقتصاد وانفتاحه، (وهو أمر ليس سهلا) وإلا سيكون هذا الانخفاض سلبيا بالكامل إذا كانت أسعار النفط هي مصدر السعادة أو التعاسة الوحيد!!.
أولى خطوات تحفيز التنمية هي بتطوير الموارد البشرية، وأولى خطوات هذا الهدف هو تطوير التعليم ومنظومته، لأن الموارد البشرية الكفُئة والمناسبة تغني البلاد عن البترول وجميع الموارد الطبيعية كونها منتجة وذات تفكير وعقل وإبداع، واليابان مثال على ذلك، والمناطق التي تحاصرها السلطة المجرمة وذيولها في سوريا مثال حي ونموذجي على ذلك أيضا، فالإبداعات التي تشهدها تلك المناطق (وقد لايسلط عليها الضوء الإعلامي المناسب نتيجة الحرب) إبداعات مذهلة، بعد أن تحرر التعليم من القيود الشمولية وأفكار الستينات البالية، وأُعطيت الحرية الكاملة للإبتكار والإبداع، على الرغم من الحصار وضآلة الإمكانيات.
وجميع المفكرين وعلماء الاقتصاد متفقون أن الموارد البشرية هي أهم مورد اقتصادي، وغالبا ما تتصدر الموارد البشرية كتب ومصنفات الموارد الاقتصادية، لكن المشكلة في تطويرها، وتكوين أجيال تدعم عملية التنمية واستدامتها، وهنا يأتي دور التعليم، فالتعليم المتطور المقرون بالانفتاح والابتكار والتشجيع، والمحفزات، والشامل لمختلف أنواع العلوم لاسيما التقنية وتطوراتها المتسارعة، والعامل على أن تكون مخرجاته مناسبة لعملية التنمية الشاملة والمستدامة وليس فقط احتياجات سوق العمل الحالي، أو احتياجات تيار فكري له الهيمنة والغلبة، هو التعليم الذي سيعزز المكاسب من الموارد البشرية المتوفرة.
وتطوير الموارد البشرية أيضا يحتاج إلى جهود كبيرة، بعد أن يكون التعليم قد أدى دوره، ولا بد أن يكون للابتكار حيز من الاهتمام، وللإبداع حيز من المحفزات والتشجيع، وللمؤسسات والفكر والثقافة وبالأخص الإسلامية، دور بالتوازي مع ذلك، وحينها ستضيف الموارد البشرية الكثير إلى الناتج المحلي الإجمالي غير النفط.
وعندما تشعر أي دولة أن مواردها البشرية قليلة، وأن أعداد الوافدين إليها أضعاف أعداد مواطنيها، فلن تجد أفضل من تشجيع الإنجاب طريقا لبناء قوة عمل مثالية، يتم تنشئتها في بيئة اجتماعية راقية، ثم تعليم متطور، ثم فرص واعدة مصحوبة بتطوير مستمر.
كما يحفز انخفاض أسعار النفط المضي قدما وبسرعة في مشاريع البنية التحتية، لاسيما الكبرى منها، كمشاريع الطرق الكبرى، والمواصلات (كالقطارات والمترو والمطارات)، والجسور، وبناء المدارس والجامعات والمدن والمناطق الصناعية، ومراكز التدريب والمنشآت الكهربائية ومنشآت المياه وغيرها مما يدعم عملية التنمية الشاملة، التي تصل بالبلاد إلى مرحلة يتحفّز فيها الإنتاج – غير النفطي – ويصبح التنويع الاقتصادي سهلا، فالمدن الصناعية جاهزة ومزودة بالطرق والكهرباء اللازمة على سبيل المثال، وعليه فالمصنع الفلاني المنتج لمادة كذا من السهل أن يبدأ إنتاجه قريبا ويضيف إلى اقتصاد البلد وناتجه المحلي قيمة مضافة، ويشغّل قسما من كوادر البلد البشرية التي ستتلقى رواتب تنفقها في هذا البلد.
سنصل بتطوير البنى التحتية إلى مرحلة ننقل فيها البضائع بسهولة عبر قطارات الشحن، دون الحاجة للانتظار وملئ الطرق بالشاحنات وتلويث البيئة، وننتقل فيها من البيت إلى العمل، ومن العمل إلى السوق عبر المترو، ونسافر بالقطار إلى مدينة أخرى ونستقل من محطته مترو إلى الفندق، ولن نحتاج سيارة تستهلك البنزين، وسنحصل على طاقة نظيفة ومتجددة في بيوتنا، وعليه فلا حرج ولاضير إن تم رفع الدعم عن المحروقات جزئيا او كليا .. وهناك الكثير من الأمثلة المشابهة لهذه النتائج.
ستعمل البنى التحتية المكتملة على تسهيل ودعم الإنتاج، والمستهدف بالتركيز هنا الإنتاج غير النفطي، طبعا في ظل إرادة وعزيمة وشفافية وبيئة تشريعية وقانونية مناسبة تشجع الاستثمار، ومؤسسات ذات دور فعلي إيجابي، وستتزايد موارد الدولة من مصادر متعددة نابعة من تنوع النشاط الاقتصادي لأن البنى التحتية المكتملة والعالية المستوى أهم متطلبات النشاط الاقتصادي سواء أكان صناعيا أو تجاريا أو سياحيا أو خدميا، وخلال سنوات محددة ومستهدفة بخطة مدروسة، سيجد البلد النفطي نفسه أن قسما كبيرا من إنتاجه النفطي يذهب كفائض واحتياطي مالي، وأن حركة الأسعار لن تكون مفصلية في اقتصاده، لأنه غدا اقتصادا متنوعا، منفتحا، لديه الكثير من المقومات غير النفط.
كلام جميل ومقال رائع شكراً لك أستاذ حسان ولكن المشكلة في اقتصاديات الدول النفطية ان الاقتصاد يعتمد على انفاق الدولة بينما يحصل العكس في اقتصاديات الدول الكبرى ان الدول تعتمد في دخلها على اقتصادها مما يحفز على الابتكار والابداع والتطوير في الموارد البشرية وكما يقولون ان الحاجة ام الاختراع