تطبيقات الجوال تؤسس اقتصاداً مدهشاً ..فهل من مساهم؟

22/12/2014 2
خالد أبو شادي

جاءت ثورة الإنترنت وإنفتاح العالم بتقليص المسافات بين الشرق والغرب لتنبه إلى بداية عصر جديد، تتلاشي فيه الحدود ويتبدد معه ألم الإنتظار الذي كان يطول مع إنتظار مكالمة هاتفية قد لا تتم أو وصول خطاب بريدي قد يتأخر بضعة أيام.

"كبسة ماوس" صار الحل السحري لإنهاء عمليه شراء عبر الإنترنت، أو إيصال رسالة في لمح البصر لأى مكان في العالم، هذه القفزة النوعية لم تتوقف عند هذا الحد، حيث تجاوزت مع تطور تكنولوجيا نقل البيانات عبر الجوالات إلى عالم مدهش يصنع اقتصاداً وليد الحاجة قد يأذن بعصر جديد لمواجهة جشع الرأسمالية، لكن مهلاً فهذا إغراق في التمني، حيث يتطلب ذلك وقتاً طويلاً لإثبات مكانته ثم مدى نجاحه من عدمه.

مع بدايات القرن الحادي والعشرين وبتطور التكنولوجيا تبلورت فكرة الإقتصاد القائم على المشاركةsharing economy ، حيث الإستغلال الأمثل للأفكار والمنتجات أو الممتلكات لتعظيم الإستفادة منها لأقصى درجة دون النظر لحدود أو أطر زمنية ، بدعم من تطور تكنولوجيا الإتصال وتقنية المعلومات.

وربما لم تكن المديرة التنفيذية الحالية لشركة "ياهو" "ماريسا ماير" مخطئة عندما وضعت نصب عينيها حال توليها قيادة بواية الإنترنت الأمريكية الشهيرة قادمة من "جوجل" الدور الهام والفعّال لتطبيقات الجوال وما يمكن أن تمثله من قفزة في مستقبل "ياهو" التي تكافح من أجل تجاوز تعثر ايراداتها في ظل منافسة شرسة داخل سوق الإعلان على صفحات الإنترنت الذي بات تقليديا بمفهومه.

إن المجالات التي يمكن أن تفتحها هذه التطبيقات رحبة وممتدة بلا عوائق، وتستطيع بالفعل مجابهة تضخم وتوحش الشركات العابرة للقارات، تستطيع مواجهة الرأسمالية وتكون بديلا لها رغم أنها خرجت من رحمها، حيث يمكنها إضفاء بعض العدل مع تزايد المسافات بين من يملكون كل شيء ومن لا يملكون أى شيء.

فكرة تطبيق "أوبر" Uber الذي يتحرك في دول شتى حول العالم  وتجاوزت قيمته 40 مليار دولار حاليا مع توالي حصوله على استثمارات جديدة، حيث يواجه سلطوية شركات التاكسي في مدن كبرى، أى موظف أو شخص بسيط يمتلك سيارة يمنكه تعظيم الإستفادة منها في سويعات فراغه عن طريق الخيارات المتاحة على الطبيق.

من لديه غرفة غير مستغلة أو يرغب في قضاء عطلة سنوية يمكنه عن طريق تطبيق airbnb "ايربن بي" الذي ينتشر في آلاف المدن حول العالم تأجير منزله، أو طرح جزء منه للإيجار، حيث يواجه استغلال الفنادق بل يمهد الطريق نحو تغيير مفهوم الإقامة الفندقية من حيث النوعية والتكلفة.

هذا التطبيق خرج من رحم الأزمة المالية التي عصفت بالولايات المتحدة، وتحديدا عام 2008، حيث أُسس وبدأ الإنتشار في محاولة للنجاح رغم صعوبة التوقيت، أى أن الأزمة ذاتها ولّدت حلولا إبتكارية مدهشة بالفعل.

من كان يصدق أن تطبيق "انستاجرام" الذي اشترته "فيسبوك" مقابل مليار دولار، تقدر قيمته حالياً عند 35 مليار دولار وفقاً لتقديرات "سيتي جروب"، وقس على هذا قيمة "واتس آب" الذي اشترته نفس الشركة مقابل 19 مليار دولارفي وقت سابق هذا العام، هل هذا التطبيقات بمثابة ثروة ونحن لا نشعر بها فعلا؟!

تشير تقديرات نشرتها "وول ستريت جورنال" مؤخرا إلى ان قيمة "أوبر" ارتفعت 126% خلال ستة أشهر، ونمت قيمة "إيربن بي" 300% في عام ونصف، وهناك توقعات عن امكانية قيام الأخير بعمل إكتتاب في البورصة خلال العام القادم.

تطبيقات الجوال تفتح بالفعل آفاقاً رحبة، وترسخ الطريق أمام الإقتصاد التشاركي بمفهومه الذي لا يتوقف فقط عند الممتلكات الحسية بل يتعداه إلى الأفكار والمواهب التي يمكن توظيفها لصالح مشروع كبير يشترك فيه أشخاص من جنسيات مختلفة، كل حيث يكون، لكن الأفكار تتلاقى وتتشابك تحت مظلة هذا الإقتصاد.

وهنا ينتفي دور الشركات والمؤسسات وتتحرك عجلة الإقتصاد الوليدة مباشرة بين شخص وآخر "peer to peer"، بعيدا عن البيروقراطية، مع ضرورة إنتفاء حب التملك والسيطرة على شيء بعينه لنجاح الفكرة وإلا لن تكون هناك استفادة مادية ملموسة، لكن ماذا عن القواعد والقوانين التي تحكم هذا التحرك ودور الدول والحكومات؟

إن لم تنتبه الدول التي يفعّل على أرضها هذه التطبيقات كخدمة طلب تاكسي من "أوبر" أو " Lyft ليفت"، سوف تزداد الجرائم المستحدثة المرتبطة بها، حيث تفعيل ضوابط على التعاملات سواء مالياً -إنتقال الأموال بين طالب ومقدم الخدمة والضرائب المحصلة عليها على أساس كونها عملاً تجارياً، فضلا عن إمكانية تعرض البعض لسرقات، اختطاف، أو حتى قتل، وهو بالفعل ما تتناقله الأخبار حالياً في بعض الدول.

ويرى بعض المفكرين أن مبدأ الإقتصاد القائم على المشاركة نهج إيجابي لمواجهة عدم المساواة، وإنعدام العدالة الإجتماعية التي لم تتمكن الرأسمالية من تحقيقها بشكل كبير نظراً لتركز الثروة في يد قلة، إنه يعطي الفرصة السانحة تماما لأصحاب المواهب والمبدعين، ومن يريدون تجاوز البيروقراطية القبيحة.

وتبقى الإشارة في النهاية بالتمنى أن يكون لنا دور في عجلة هذا الإقتصاد الذي من الصعب تقييم حجمه الحالي وإن كان لا يزال محدودا-بعض التقديرات تشير إلى 9 مليارات دولار- برعاية أفكار الشباب البناءة لتطبيقات أو أية مشروعات بادئة عن طريق "حاضنات" أو "مسرعات الأعمال" التي يديرها محترفون يأخذون بيد أصحاب تلك الأفكار ويمولوها حتى لا تموت أو تحبط أو تدخل مجاهل النسيان.