الخسائر الجسيمة وغير المنطقية وغير العقلانية التي تعرضت لها أسواق الخليج أخيراً تعود أسبابها الرئيسة إلى اختلالات هيكلية تعانيها هذه الأسواق وتؤدي إلى انخفاض كفاءتها وارتفاع أخطارها والمبالغة في رد الفعل تجاه أي أخبار سلبية، كهبوط أسعار النفط.
وفي مقدم هذه الاختلالات سيطرة المضاربين الذين تشكل سيولتهم نحو 80 في المئة من الإجمالي، وغالباً ما يعتمدون في قراراتهم الاستثمارية، سواء في البيع أو الشراء، على الإشاعات والسير خلف الجموع والعواطف والعوامل النفسية، علماً بأن نسبة مهمة منهم تنقصهم ثقافة الاستثمار في أسواق المال وفي أسهم الشركات المساهمة العامة.
لذلك كثرت عمليات البيع العشوائي في معظم أسواق الخليج وفي مقدمها أسواق السعودية ودبي وقطر وأبو ظبي التي حققت مكاسب كبيرة خلال العام الماضي والنصف الأول من هذا العام.
وتركز البيع العشوائي في أسهم الشركات الأكثر سيولة والشركات المرتبطة بقطاع النفط، وفي سوقي الإمارات طاول أيضاً أسهم شركات العقارات التي يسهل بيعها نظراً إلى ارتفاع سيولتها على رغم تمتع هذه الشركات منذ عامين بانتعاش قوي يتوقع استمراره سنوات بعد تدفق استثمارات خارجية ضخمة في ضوء «الربيع العربي» ولجوء كثيرين من أصحاب الثروات إلى الإمارات بحثاً عن الأمان والاستقرار.
وبرز تراجع كبير في أسعار أسهم الشركات الحديثة التأسيس والتي جرى إدراجها في سوق دبي خلال الشهرين الماضيين علماً بأن حجم الإقبال على الاكتتاب في أسهم هذه الشركات كان قياسياً خصوصاً من الاستثمار المؤسسي الأجنبي، وعكس حجم التغطية الثقة الكبيرة في توقعات أداء هذه الشركات خلال السنوات المقبلة.
وخسائر أسواق الخليج الجسيمة لا تتفق مع توقعات أداء اقتصادات هذه الدول وفي مقدمها السعودية والإمارات وقطر والكويت على رغم التراجع الكبير في أسعار النفط، كما لا يتفق مع توقعات أداء معظم الشركات المدرجة في هذه الأسواق وأداء معظم القطاعات الاقتصادية خلال هذا العام أو الأعوام المقبلة، مع الإشارة إلى السياسة الاقتصادية الحكيمة التي انتهجتها دول الخليج قلصت مساهمة قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي نتيجة تنويع القاعدة الاقتصادية والإنتاجية.
ولا تتفق خسائر الأسواق مع الفوائض والاحتياطات والإيرادات المالية الضخمة التي حققها معظم دول الخليج خلال النصف الأول من العام والأعوام الأربعة الماضية عندما ارتفع سعر برميل النفط إلى مستويات قياسية، فمن المتوقع استمرار الإنفاق الحكومي، خصوصاً الرأسمالي منه، على مشاريع البنية التحتية عند مستوياته خلال الأعوام الماضية.
وبرز رد الفعل الإيجابي للسوق السعودية على تصريحات وزير المال السعودي إبراهيم العساف الذي أكد أن المملكة ستستمر في انتهاج سياسة مالية تسير عكس الدورات الاقتصادية على رغم الظروف الاقتصادية والمالية الدولية التي تتسم بالتحدي.
وساهم هذا التصريح في ارتفاع مؤشر السوق السعودية بنسبه 4.2 في المئة الأربعاء وحققت السوق مكاسب كبيرة الخميس بعد اطمئنان المستثمرين.
وساهم تأكيد البنك الدولي أن هبوط النفط لن يعطل خططاً للبنية التحتية بنحو 500 بليون دولار في دول الخليج في دعم سوقي الإمارات الخميس فبلغت مكاسب سوق دبي، مثلاً، 13 في المئة، خصوصاً أن التقرير أخذ في الاعتبار أن دول الخليج تملك صناديق سيادية وأذرعاً استثمارية تعتبر من الأكبر على مستوى العالم.
وتشير تقارير أخرى إلى أن هذه الدول واقتصاداتها وعملاتها الوطنية ستبقى تتمتع بتصنيف ائتماني متميز له انعكاسات إيجابية مختلفة، إضافة إلى أن أنظمتها المصرفية تتميز بالقوة والملاءة والمتانة.
وتعاني أسواق الخليج عموماً من ضعف الاستثمار المؤسسي الذي لا تتجاوز نسبة سيولته 20 في المئة من سيولة الأسواق، فهذا الاستثمار الذي يعتمد في قرارات البيع والشراء في أسواق المال على الأساسيات الاقتصادية والمالية والتحليلات والدراسات والتوقعات وتوصيات كبار المحللين والمستشارين الماليين، تصل سيولته في الأسواق المتقدمة إلى 85 في المئة من الإجمالي ما يعزز كفاءتها ويخفض أخطارها.
وتتيح موجات التراجع القاسية في بورصات الخليج فرص استثمار مهمة للاستثمار المؤسسي، خصوصاً أن تراجع سعر النفط ليس العامل الأساس في هذا التراجع.
وثمة عوامل مرتبطة بالشراء على الهامش والبيع على المكشوف وتسهيلات المصارف وغياب صناع لهذه الأسواق يساهمون في استقرارها من خلال شرائهم أسهم الشركات عندما تنخفض إلى ما دون قيمها العادلة وبيعها عندما ترتفع عن هذه القيمة.
والأرجح أن معظم أسهم الشركات المدرجة في أسواق الخليج انخفضت إلى ما دون قيمها العادلة بنسب كبيرة، كما أن الخسائر الجسيمة التي تعرضت لها الأسواق خلقت فرصاً مهمة للاستثمار الأجنبي مع اقتراب نهاية السنة المالية ودنو توزيع الأرباح السنوية للأذرع الاستثمارية للحكومات المحلية وشركات التأمين وصناديق المعاشات.
نقلا عن الحياة