خلال السنوات العشر المنصرمة استطاعت المملكة أن تتحرك بقوة وعزم نحو تنشيط برنامج التنمية، متجاوزة النهج التقليدي الذي كرس التنمية في محور رئيس وبؤر، واتجهت إلى البدء في تحقيق التنمية المتوازنة، التي تشمل كل المناطق، بل وتحقق التوازن ضمن كل منطقة، حتى لا تستأثر بقعة جغرافية، فكل بقاع الوطن يجب أن تحظى بذات الاهتمام التنموي.
وانطلقت تلك الجهود لتطوير البنية التحتية في المدن والمحافظات والقرى، وفي الربط بين جنبات المملكة بخطوط سريعة محورية وبإطلاق برامج وطنية للارتقاء بالمباني المدرسية ولمضاعفة عدد الأسرة المتاحة في المستشفيات.
وكما نتابع جميعاً، فقد رصدت من أجل تحقيق ذلك أموالا هائلة، تضاعف على أثرها الانفاق الرأسمالي في الميزانية العامة للدولة مرات عدة، لكن أعاق ذلك الزخم تأخر وتعثر مشاريع تنموية، من غير المعروف على وجه التحديد عددها وتكلفتها، ومن غير المعروف تأثيرها على البرنامج التنموي. وأقصد بعبارة "غير معروف" انه غير معروف للعموم.
ومع نهاية العام المالي الراهن (2014) تختم الخطة الخمسية التاسعة مداها، وهي الخطة التي تميزت بالعديد من التطويرات النوعية، لعل من أهمها– في تقديري- المناداة بالتنمية المتوازنة، التي لا نزال نسعى لتحقيقها، وكذلك المناداة بخفض معدل البطالة لنصف ما كان عليه عند بداية الخطة، أي لحدود 5.5بالمائة، وهذا مازال هدفاً مفتوحاً.
مما يسوقنا للقول إن الخطة الخمسية التاسعة استنفذت الوقت دون أن تحقق كل ما كنا نصبو إليه. وبالقطع، فالبرنامج التنموي لا يزال مستمراً، وتنتهي خطة وتتبعها خطة خمسية جديدة.
والخيار التنموي ليس الوحيد، إذ لابد من مزاوجته وتكامله مع استراتيجية تنويع الاقتصاد السعودية، ليصبح متعدد الموارد، فلا يعود معتمداً على إيرادات النفط فقط، ويصبح بوسع القطاعات الاقتصادية توليد فرص عمل لتوظيف الشباب وبالتالي الحد من الاعتماد على العمالة الوافدة، وتصدير السلع والخدمات والاحلال محل الواردات بما يعزز وضع حساب المدفوعات والحساب الجاري.
وأمام هذه التحديات الاستراتيجية، من تنمية وتنويع، فيمكن الاستنتاج أن ليس بوسع وتيرة الانفاق المهَادَنةُ، والسبب أن تجاوز تلك التحديات أمرٌ بات حرج الأهمية؛ فهو يعزز الاستقرار الاجتماعي-الاقتصادي في البلاد، ولاسيما أن أمام الخزانة العامة للدولة أدوات عدة للتعامل مع تراجع إيرادات النفط خلال النصف الأول من هذا العام (2014) والمتوقع استمراره للنصف الثاني من العام القادم (2015)، فالخزانة تمتلك الاحتياطي وبوسعها الاقتراض كذلك، وبالتأكيد فبالعودة لجردة حساب المشاريع التي أعلنت ولم تنفذ فسنجد انفاقاً رأسمالياً كافياً لينافس السنوات المنصرمةِ من حيث القيمة.
وهكذا، فليس متوقعاً أن يتأثر البرنامج التنموي أو جهد بناء السعة الاقتصادية نتيجة لتراجع إيرادات النفط للأشهر الستة المنصرمة. ولعل من الملائم التذكير أن هذا الخيار هو خيار استراتيجي للمملكة، فقد أعلن خادم الحرمين الشريفين– يحفظه الله- عن مبادرة تنموية لافتةٍ والأزمة المالية الكاسحة في عنفوانها، فقد كان إعلانه إبان حضوره قمة العشرين في نوفمبر 2008 في واشنطن، بأن المملكة سترصد 400 مليار دولار لبرنامجها التنموي.
وللتذكير، فقد كانت أسعار النفط آنئذ تنهار انهياراً مؤلماً من 145 دولارا للبرميل في يوليو إلى حدود 30 دولاراً للبرميل في ديسمبر، واستمر الألم؛ فقد كان أداؤها في العام 2009 أعلى قليلاً من 50 دولاراً للبرميل، وفي العام 2010 يحوم حول 70 دولاراً للبرميل، وفي العام 2011 وصل معدل سعر البرميل لأقل من 85 دولاراً.
نقلا عن اليوم