عملية تدقيق ومراجعة الحسابات من الأمور المهمة لسلامة الإجراءات المحاسبية ودقة متابعتها؛ لذا فان القانون يلزم جميع الشركات، وبصفة خاصة شركات المساهمة العامة، بتعيين مدقق حسابات خارجي مؤهل لديه الامكانيات الفنية للقيام بمهمة تدقيق ومراجعة حسابات الشركة وفق المعايير المهنية والأسس المحاسبية السليمة المتبعة.
ولمنح المدقق الخارجي «الاستقلال» و»الحياد» الكافيين لنطاق عمله فإن تعيينه في شركات المساهمة يتم بواسطة المساهمين وفقا لتوصيات مجلس ادارة الشركة.
ولذا يقوم المدقق الخارجي بتقديم تقريره الرئيسي عن حسابات الشركة أثناء اجتماع الجمعية العمومية العادية للشركة حيث يجوز للمساهمين استيضاح أي نقطة متعلقة بحسابات الشركة اثناء السنة المنصرمة.
وكذلك يتمتع المساهمون بحق تجديد العقد مع المدقق الخارجي وما يرتبط بهذا التجديد من واجبات والتزامات على الطرفين.
والمدقق الخارجي، اضافة لالتزاماته التعاقدية، يجب عليه القيام بمهمته وفق المعايير الفنية مع التزام التقيد بالممارسات المهنية السليمة.
وهذا التزام مبتدئ ومستمر يجب التقيد به في جميع الأحوال وتحت كل الظروف، ولتحقيق هذا الوضع المهني لا بد من الحرص علي توفر الكفاءات الفنية والمهنية والاكاديمية لدى المدقق الخارجي وبالدرجة التي تمكنه من تنفيذ دوره بأمانة ونزاهة وبعيدا عن تضارب المصالح والمؤثرات الخارجية.
وكل هذا يجب أن يتوفر لينطلق المدقق الخارجي وينغمس في عمله دون خوف من مقدراته ومؤهلاته أو خلاف ذلك.
وانطلاقا من افتراض توفر كل هذه المتطلبات فإن القانون يمنح المدقق الخارجي سلطات واسعة لتأكيد ضمان حرصه على حسن ادارة أموال الشركة.
ومن هذه السلطات، مثلا، الحق في تجاوز مجلس الادارة في بعض الحالات ودعوة الجمعية العمومية مباشرة للاجتماع لنقاش بعض المستجدات التي تهدد بقاء الشركة وحقوق المساهمين.
لذا يجب أن يكون المدقق الخارجي على قدر هذه المسؤوليات الحساسة الملقاة على عاتقه.
والا فليعتذر..
ولمزيد من الحرص على حسن ادارة الشركة خاصة من النواحي المالية، فإن الشركات في نفس الوقت، تحرص كذلك على وجود «دائرة التدقيق الداخلي» وتغذيها بالمدققين المؤهلين للقيام بمهمة التدقيق الداخلي في الشركة.
والمدققون الداخليون هم في الأساس من موظفي الشركة لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ويعاملون اداريا كبقية الموظفين.
ولكن هذه الدائرة، لخصوصيتها وحساسية مهامها، وبموجب مبادئ الحوكمة ومقتضيات الادارة الرشيدة فإنها يجب أن تتبع مباشرة لرئيس مجلس الادارة وذلك بغرض توفير الحد الأدنى لها من الاستقلال والحياد وعدم تدخل الادارة التنفيذية في تنفيذها لمهام التدقيق المنوطة بها والتي قد تطال أي من أعمال الادارة التنفيذية العليا.
وهنا أيضا، لا بد من توفر الكفاءات المهنية والفنية لتمكين دائرة التدقيق الداخلي من القيام بدورها على أكمل وجه.
وتقارير التدقيق الداخلي لا تقدم للمساهمين وفي الغالب تنحصر داخل الشركة فيما بين مجلس الادارة ولجنة التدقيق والادارة التنفيذية، ولهذه التقارير دور مهم في ضبط العمل ومراقبة تنفيذه بسلامة وسلاسة وفق الضوابط والأسس المرعية في الشركة.
وبصفة عامة، فإن عمل المدقق الداخلي يجب أن يصب في مجرى التدقيق الخارجي حتى تتكامل المهمة لتحقيق المصالح المرجوة آخذين في الاعتبار أن دور المدقق الداخلي ولاحتكاكه اليومي مع الدوائر يحتاج لحصافة ولباقة وأريحية حتى يجد التعاون المطلوب لتنفيذ دوره المهني، والا سيجد العقبات وربما عدم التعاون والتهرب منه كلما كان هناك سبيل مما قد يؤدي لإعاقة مهمته أو الفشل في تنفيذ المراد منها.
ولا بد من القول إن هناك منعطفات محاسبية مشتركة يمر بها عمل المدقق الخارجي وأيضا عمل المدقق الداخلي، ويمتزج مع بعضه.
وفي الغالب الأعم فإن مقدرات المدقق الخارجي تكون أكبر وأكثر وأوفر من مقدرات المدقق الداخلي ولذا فإن الفيصل المرجعي في أمور المحاسبة والتدقيق هو رأي المدقق الخارجي خاصة وأنه «صاحب الكلمة» و»الرأي السديد».
وهو يكون المرجع الفني والملاذ الأخير في الأمور المالية والمحاسبية نظرا لما يتمتع به من الخبرات التراكمية المتنوعة والتجارب المتعددة اضافة لوجود الطواقم الجاهزة من المحاسبين والمستشارين في المكتب الرئيسي وخلافه، وجميع هؤلاء مستعدون وجاهزون لمد يد العون الفني والمهني و»الباك آب» في اي وقت.
ولكن نلاحظ في بعض الحالات تمايز المواقف فيما بين التدقيق الخارجي والتدقيق الداخلي، اذ إن المدقق الداخلي قد يتنبه أو يكتشف هفوات فنية، ان لم نقل أخطاء، يقع فيها المدقق الخارجي.
وهنا تحدث أزمة، وهذا بالطبع له انعكاسات سلبية ضارة ويحدث في حالات عديدة آخرها ما حدث قبل أيام في (……) وهي شركة اتصالات كبيرة وتتعرض الآن لصعوبات جمة في أسواق المال وانخفاض قيمة أسهمها مع تدهور وضعها المهني بصفة عامة.
وفي هذه القضية حدثت تجاوزات فنية من المدقق الخارجي تتعلق بالقوائم المالية للشركة والشفافية المتعلقة بمدى وتوقيت نشرها ومقدار الارباح وبعض الالتزامات المتعلقة بها.
وموقف المدقق الخارجي نتج أو كان بسبب عدم استيعاب بعض المتطلبات المحاسبية الفنية الخاصة بأعمال الشركة اضافة لعدم استيعاب بعض اللوائح الداخلية في البلد وهذ أدي لحدوث بعض الاختلاف مع المدقق الداخلي للشركة والآراء التي تقدم بها لإدارة الشركة في هذا الخصوص.
وما حدث بسبب موقف المدقق الخارجي آثر كثيرا علي اوضاع الشركة المالية والمحاسبية، اضافة الي أن تجاوز آثار ما حدث من «ربكة» سيحتاج لوقت ومعاناة، وتكاليف، وفقدان القيادات التنفيذية لمناصبها، ونقول غلطة الكبير بألف ألف..
والسؤال ماذا يعني هذا؟ ولماذا حدث ما حدث؟ والجواب، بكل بساطة إن ما حدث مؤشر لفشل مهني غير محتمل في مهنة مهمة.
وجل المسؤولية تقع على كاهل شركات التدقيق الخارجية ومن يقف خلفها من حملة شهادات المحاسبة والتدقيق الكبرى، خاصة وأن بعض الشركات أصبحت تعتمد على اسمها أكثر من الاهتمام بـ»الأمانة» والعمل الفني المهني وهو الأساس.
وأصبح الاهتمام بالكم وليس بالكيف وبالمظهر وليس بالجوهر…
وهذا غير مقبول في أي مهنة.
والمطلوب الآن، أن يرتقي أهل هذه المهنة للمسؤولية الفنية والمهنية المفترضة حتى تعود لمكانتها ويطمئن لها كل من هب ودب.
وعلى الجميع الحرص التام والدائم في الارتفاع لمستوى مسؤوليتهم المؤسسية والمهنية، وهذا أضعف الايمان، لتتحقق مصالح الشركة وكل المساهمين ومن خلفهم المجتمع.
نقلا عن عُمان
مشكور على إيضاح الفرق بين المدقق الخارجي والداخلي، وكيف أن اهتمام الشركات فقط بالأسماء الرنانة، وبالتالي تراخي المراجع الخارجي، كونه مطلوب وخدماته مضمونة. الحل يتم بتقريع ومعاقبة اثنين أو ثلاثة من السماء اللامعة ليتأدب القطاع كله!