الذهب فَقَد كثيراً من بريقه هذه السنة

16/11/2014 0
زياد الدباس

يمثّل الذهب وسيلة تحوط جذابة وحافظة للثروة عند ضعف العملات الورقية وملاذاً آمناً في أوقات عدم اليقين، والاضطرابات السياسية والاقتصادية، وتقلبات أسواق الصرف، إضافة إلى كونه وسيلة تحوط من التضخم.

وساهم عدم اليقين العالمي في ارتفاع الطلب على الذهب من الأفراد والمؤسسات والمصارف المركزية والصناديق السيادية باعتباره أصلاً سائلاً موثوقاً به وبقيمة مخزونه للثروة.

وهرع المستثمرون إلى شراء الذهب عندما أعلن مصرف «ليمان براذرز» الأميركي العملاق إفلاسه عام 2008، وحين بدأت أزمة منطقة اليورو، ولما خسرت الولايات المتحدة تصنيفها الائتماني الممتاز، إضافة إلى فترات التذبذب الكبير في أسعار العملات الرئيسة، ما شجع المصارف المركزية، خصوصاً في الدول الناشئة، على شراء الذهب لتعزيز وتنويع احتياطاتها. وكان ارتفاع أسعار الذهب خلال تلك الفترات مؤشراً إلى تراجع الثقة بالدولار.

ويمكن تقسيم الفترات التي ارتفعت فيها الأخطار في الأصول المالية التقليدية وفي سندات الدين السيادية، ما عزز أداء الذهب، إلى ثلاث فترات.

واستمرت الأولى نحو عقد من الزمن بين بداية السبعينات وعام 1980، وشهدت هذه الفترة صعود أسعار الذهب 17 ضعفاً، وتخللتها نسب نمو متدنية لاقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا، ومستويات عالية للتضخم والبطالة. وشهدت هذه الفترة التخلي عن ارتباط الدولار بالذهب، ما ألغى نظام «بريتون وودز» المقر بعد الحرب العالمية الثانية. وشهدت هذه الفترة حرب أكتوبر والثورة الإيرانية واحتلال الاتحاد السوفياتي لأفغانستان.

أما الفترة الثانية والتي استمرت نحو 20 سنة فشهدت فقدان الذهب أكثر من 50 في المئة من قيمته وامتدت من مطلع 1981 إلى نهاية 2001. وتخلل هذه الفترة تحسن في أداء الاقتصاد الأميركي واتفاق بين المصارف المركزية على تنظيم عمليات بيع الذهب.

وامتدت الفترة الثالثة من مطلع 2002 إلى نهاية 2012، وشهدت ارتفاع أسعار الذهب ستة أضعاف، وتخللتها أزمة الائتمان العالمية وزيادة المصارف المركزية احتياطاتها من الذهب، ما ساهم بارتفاع سعره إلى أعلى مستوياته تاريخياً فوق 1920 دولاراً للأونصة خلال أيلول (سبتمبر) 2011.

وبدأت دورة ارتفاع المعدن هذه عام 2008 عندما تجاوز سعره حاجز ألف دولار للمرة الأولى، ومع بداية أزمة الديون الأوروبية عام 2010 قفز سعر الذهب إلى 1400 دولار، وأدت قنبلة تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، صاحبة اكبر اقتصاد في العالم وأهم عملة دولية، إلى ارتفاع سعر الذهب إلى 1815 دولاراً للأونصة.

ومع استمرار الارتفاع حقق المستثمرون عائدات نسبتها 25 في المئة عام 2009 وعائدات نسبتها 15 في المئة عام 2010، ما ساهم في توسيع قاعدة المستثمرين والمضاربين فتجاوزت قيمة مشترياتهم من الذهب على المستوى العالمي مشتريات المستهلكين للمرة الأولى خلال ثلاثة عقود.

وجاء عام 2013 لينهي 12 سنة من الارتفاعات المتتالية في أسعار الذهب التي تراجعت بنسبة 28 في المئة بعدما انخفض سعره خلال حزيران (يونيو) 2013 إلى 1180 دولاراً قبل ان يبلغ سعره نهاية العام 1205 دولارات.

ولا يشكل الاستثمار في الذهب أكثر من اثنين في المئة من مجموع رأس المال العالمي المستثمَر لذلك لم يكن لانفجار فقاعة الذهب تأثير واضح في الاقتصاد العالمي.

وتمثلت أبرز أسباب تراجع سعر الذهب خلال العام في إعلان مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي جدولاً محـــتملاً للتـــخفيف التدريجي من برنامج الإنعاش النقدي، إضافة إلى الارتفاع القوي لمؤشرات أسواق المال الأميركية واستمرار العديد من الدول في معاناة انكماش الأسعار، ما يقلل جاذبية الذهب كأداة تحوط ضد التضخم.

وتتفاوت توقعات المحللين والمتخصصين حول أداء الذهب خلال هذا العام لكن معظمها متشائم، وفي مقدمها توقعات العديد من المصارف الكبرى، على رغم صعوده بنسبة ثلاثة في المئة الأسبوع الماضي نتيجة مشتريات لتغطية مراكز مكشوفة بعد نشر بيانات الوظائف الأميركية التي جاءت اقل من التوقعات.

ويعزز من هذه التوقعات السلبية صعود الدولار وتعافي الاقتصاد العالمي باعتبار ان هذا التعافي عامل مهم لجهة مساهمته في تلاشي جاذبية الذهب كبديل للدولار والعقارات والأسهم والسندات مع توقعات بأن يرفع مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي سعر الفائدة عاجلاً أم آجلاً، علماً أن الذهب وبخلاف الأصول الأخرى لا يحقق أي دخل للمستثمرين بينما يمكن الاستفادة من شراء الذهب عندما تكون العائدات الحقيقية على الأموال النقدية والسندات سالبة.

وبعد فترة الانتعاش القوية التي شهدها سعر الذهب خصص معظم المحافظ الاستثمارية الكبيرة ما نسبته خمسة في المئة من موجوداتها للاستثمار في الذهب بينما كان مثل هذا التخصيص قبل فترة الانتعاش قراراً غير عقلاني.

نقلا عن الحياة