اقتصاد المنشّطات

11/11/2014 10
عصام الزامل

في مقال سابق سلطت الضّوء على مستوى النّموّ الحقيقيّ للنّاتج المحلّيّ للفرد في السعوديّة، وكانت الأرقام تشير إلى أنّ الثّلاثين سنة الماضية شهدت انخفاضا في النّاتج المحلّيّ للفرد، وخلال العشر سنوات الماضية لم تشهد أيّ تغيّر يذكر، رغم أنّ كثيرا من دول العالم النّامي والمتقدّم كانت تتسابق في رفع معدّلات نموّ النّاتج المحلّيّ للفرد.

في هذا المقال، سأوضح أنّه  بالإضافة لضعف النمو الحقيقي او انخفاضه بالنسبة للناتج المحلي للفرد، فإن نوعيّة الإنتاج وكفاءته في انخفاض.

وأحد المؤشرات المستخدمة لقياس جودة وكفاءة النمو الاقتصادي هو معدل استخدام الطاقة لكل ألف دولار ينتجه الاقتصاد. فكلما زاد التّقدّم الاقتصاديّ للدّول كلّما كان الاقتصاد قادرا على رفع إنتاجيّته وخفض استهلاك الطاقة في نفس الوقت.

في عام 1980، كانت السعودية تستهلك حوالي 610 ألف برميل نفط للاستخدام الداخلي، سواء لإنتاج الكهرباء أو كوقود لوسائل النقل أو غيرها من الاستخدامات الإنتاجية أو الاستهلاكية.

تضاعف الاستهلاك الداخلي لإنتاج النفط حتى وصل ذروته عام 2011 (وهذه آخر سنة نشرت فيها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أرقام الاستهلاك الداخلي للسعودية). حيث تجاوز الاستهلاك 2,986 ألف برميل نفط (حوالي 3 ملايين برميل نفط). أي أنه خلال 30 سنة ارتفع الاستهلاك الداخلي للنفط بنسبة 390%.

هذه الوتيرة من النمو تشكل تهديدا حقيقيا لقدرتنا على التّصدير في المستقبل. فلو استمر هذا المعدل في نمو الاستهلاك فقد يعني ذلك عجزنا على تصدير نفط كاف لتغطية مستويات الإنفاق الحكومي الذي تعتمد عليه حركة الاقتصاد.

كما أنه سيعني صعوبة استمرارنا في استيراد ما نحتاجه من العالم من سيارات وأجهزة وغذاء أيضا. 

زيادة الاستهلاك النفطي الداخلي مؤشر سلبي جدا، ولكن قد يجادل البعض في أن هذه الزيادة ضرورية لتنمية الإنتاجية الداخلية وبناء قاعدة صناعية تضمن انتقالنا من الاقتصاد الريعي للاقتصاد المنتج، ولكن الأرقام تقول غير ذلك.

فكما أشرنا، فإن النّمو الحقيقي للفرد خلال ثلاثين سنة قد انخفض. وخلال العشر سنوات الأخيرة لا يوجد أي نمو يذكر، كما أن أرقام وكالة الطاقة العالمية المتعلقة بحجم الطاقة المستخدمة لكل 1000 دولار من الإنتاج الحقيقي للاقتصاد تشير أن كفاءة الإنتاج في انخفاض مستمر.

ففي عام 1980 كانت كمية الطاقة المستخدمة لكل 1000 دولار يتم إنتاجه تساوي حوالي 93 كيلو من النفط، ووصل في عام 2010 إلى أكثر من 300 كيلو لكلّ 1000 دولار يتم إنتاجه في الاقتصاد، أي أن استهلاك الطاقة لكل 1000 دولار يتم إنتاجه ارتفع بنسبة 222% خلال 30 سنة.

في حين أن هذه النسبة انخفضت في نفس الفترة في أمريكا وألمانيا بنسبة 45%، وفي الصين انخفضت بنسبة 77%. أما على مستوى العالم فقد انخفض استهلاك الطاقة لكل 1000 دولار بنسبة 24%.

سوء الوضع الاقتصادي لم يقتصر على ضعف النمو، ولكنه أيضا ترافق مع ضعف شديد في الكفاءة، فحتى لو أردنا المحافظة على الوضع الحالي من الاقتصاد فإنه علينا الاستمرار بزيادة معدل استهلاكنا من الطاقة، وحالنا الاقتصادي أشبه بلاعب رياضي مستواه أقل من المتوسط، ورغم ذلك فهو عاجز عن الاستمرار بنفس المستوى – فضلا عن تطوير مستواه – إلا من خلال استهلاك جرعات أكبر من المنشطات سنة بعد سنة.

مستقبل هذا الرّياضي لا يبشّر بخير، وكذلك هو حال اقتصادنا.