في مقال سابق سلطت الضّوء على مستوى النّموّ الحقيقيّ للنّاتج المحلّيّ للفرد في السعوديّة، وكانت الأرقام تشير إلى أنّ الثّلاثين سنة الماضية شهدت انخفاضا في النّاتج المحلّيّ للفرد، وخلال العشر سنوات الماضية لم تشهد أيّ تغيّر يذكر، رغم أنّ كثيرا من دول العالم النّامي والمتقدّم كانت تتسابق في رفع معدّلات نموّ النّاتج المحلّيّ للفرد.
في هذا المقال، سأوضح أنّه بالإضافة لضعف النمو الحقيقي او انخفاضه بالنسبة للناتج المحلي للفرد، فإن نوعيّة الإنتاج وكفاءته في انخفاض.
وأحد المؤشرات المستخدمة لقياس جودة وكفاءة النمو الاقتصادي هو معدل استخدام الطاقة لكل ألف دولار ينتجه الاقتصاد. فكلما زاد التّقدّم الاقتصاديّ للدّول كلّما كان الاقتصاد قادرا على رفع إنتاجيّته وخفض استهلاك الطاقة في نفس الوقت.
في عام 1980، كانت السعودية تستهلك حوالي 610 ألف برميل نفط للاستخدام الداخلي، سواء لإنتاج الكهرباء أو كوقود لوسائل النقل أو غيرها من الاستخدامات الإنتاجية أو الاستهلاكية.
تضاعف الاستهلاك الداخلي لإنتاج النفط حتى وصل ذروته عام 2011 (وهذه آخر سنة نشرت فيها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أرقام الاستهلاك الداخلي للسعودية). حيث تجاوز الاستهلاك 2,986 ألف برميل نفط (حوالي 3 ملايين برميل نفط). أي أنه خلال 30 سنة ارتفع الاستهلاك الداخلي للنفط بنسبة 390%.
هذه الوتيرة من النمو تشكل تهديدا حقيقيا لقدرتنا على التّصدير في المستقبل. فلو استمر هذا المعدل في نمو الاستهلاك فقد يعني ذلك عجزنا على تصدير نفط كاف لتغطية مستويات الإنفاق الحكومي الذي تعتمد عليه حركة الاقتصاد.
كما أنه سيعني صعوبة استمرارنا في استيراد ما نحتاجه من العالم من سيارات وأجهزة وغذاء أيضا.
زيادة الاستهلاك النفطي الداخلي مؤشر سلبي جدا، ولكن قد يجادل البعض في أن هذه الزيادة ضرورية لتنمية الإنتاجية الداخلية وبناء قاعدة صناعية تضمن انتقالنا من الاقتصاد الريعي للاقتصاد المنتج، ولكن الأرقام تقول غير ذلك.
فكما أشرنا، فإن النّمو الحقيقي للفرد خلال ثلاثين سنة قد انخفض. وخلال العشر سنوات الأخيرة لا يوجد أي نمو يذكر، كما أن أرقام وكالة الطاقة العالمية المتعلقة بحجم الطاقة المستخدمة لكل 1000 دولار من الإنتاج الحقيقي للاقتصاد تشير أن كفاءة الإنتاج في انخفاض مستمر.
ففي عام 1980 كانت كمية الطاقة المستخدمة لكل 1000 دولار يتم إنتاجه تساوي حوالي 93 كيلو من النفط، ووصل في عام 2010 إلى أكثر من 300 كيلو لكلّ 1000 دولار يتم إنتاجه في الاقتصاد، أي أن استهلاك الطاقة لكل 1000 دولار يتم إنتاجه ارتفع بنسبة 222% خلال 30 سنة.
في حين أن هذه النسبة انخفضت في نفس الفترة في أمريكا وألمانيا بنسبة 45%، وفي الصين انخفضت بنسبة 77%. أما على مستوى العالم فقد انخفض استهلاك الطاقة لكل 1000 دولار بنسبة 24%.
سوء الوضع الاقتصادي لم يقتصر على ضعف النمو، ولكنه أيضا ترافق مع ضعف شديد في الكفاءة، فحتى لو أردنا المحافظة على الوضع الحالي من الاقتصاد فإنه علينا الاستمرار بزيادة معدل استهلاكنا من الطاقة، وحالنا الاقتصادي أشبه بلاعب رياضي مستواه أقل من المتوسط، ورغم ذلك فهو عاجز عن الاستمرار بنفس المستوى – فضلا عن تطوير مستواه – إلا من خلال استهلاك جرعات أكبر من المنشطات سنة بعد سنة.
مستقبل هذا الرّياضي لا يبشّر بخير، وكذلك هو حال اقتصادنا.
هناك مشكلة في اختيارك لعام 1980 كسنة اساس للحسابات والمقارنة وهل ذلك مقصود أم انه جاء بشكل عفوي ... فالمعروف أن عامي 1980 و 1981 كانا استثنائيين من حيث دخل الحكومة والناتج المحلي بسبب ارتفاع انتاج النفط آنذاك والسعر حيث كانت السعودية تقوم بدور المنتج المرجح وللذك عوضت النقص في انتاج النفط العراقي والايراني والذي تضرر بشكل كبير مع بدء الحرب العراقية الايرانية خلال السنتين الاوليتين من الحرب .. بمعنى آخر لو استعملت سنة 1985 كسنة أساس للمقارنات ستتغير نتائجك تماما حيث ان هذه السنة شهدت بداية انهيار سعر النفط وبداية الانخفاض الحاد في انتاج السعودية الى أقل من 5 مليون برميل ومن ثم تخلي السعودية العام التالي (1986) عن دور المنتج المرجح
وهذا شبيه بمن يختار سنة 2006 كسنة اساس لحساب عوائد الاستثمار بالاسهم فستكون النتيجة ان من استثمر تلك السنة سيكون خسرانا في عام 2014 كون المقارنة تمت مع حالة استثنائية بينما ستتغير النتائج لو استعمل سنة 2009 مثلا أو 2000 أو اي سنة كانت فيها الاسهم منخفضة
كلامك في جهة والمقال في جهة اخرى اولا هو يتكلم عن الاستهلاك الداخلي للنفط وهذا رقم مطلق لم ينسب لسنة معينة اثنين كون الناتج المحلي في سنة الاساس 1980 مرتفع يعني ان الوضع اردى وازفت لان النسبة تكون للناتج المحلي اللي كان مرتفع اصلا ولو احتسب 1985 كسنة اساس بتكون الارقام منيلة بنيلة اكثر.
كلامك قد يكون صحيح لو كان الحديث عن دخل الفرد. ولكن الحديث هنا عن كفاءة الناتج الاقتصادي من ناحية استهلاك الطاقة. ومثل ما قال الأخ بلاك هوك لو اخذنا عام 85 كسنة أساس لربما كانت نسبة نمو الاستهلاك أكبر بحكم انخفاض الناتج المحلي في تلك السنة. على العموم اختياري لعام 80 كان بسبب شح المعلومات للسنوات التي قبلها.
صحيح أن السنة الأساس تؤثر في دقة النتائج. لكن اختيار السنة الأساس في الحسابات المتعلقة بالنمو تقل أهميته مع طول الفترة الزمنية المراد دراستها. متوسط العائد السنوي للاستثمار في السوق السعودي سيتأثر حتما اذا تم تغيير السنة الأولى للاستثمار من 2005 الى 2006، في المقابل فإن متوسط العائد السنوي للاستثمار في السوق الامريكي (كمثال) لفترة طويلة (اكثر من 50 سنة) لن تتأثر بشكل كبير بتغيير السنة الأساس.
مقال جميل تتكلم فيه الأرقام بوضوح...
اكاد أجزم ان كل السعوديين يدركون ان لدينا مشكلة كبيرة في استهلاك الطاقة وهي ظاهرة سائدة وليست ظاهرة فقط ، ومع ذلك لاتجد اي محاولات - مجرد محاولات - لتقليل من حجم هذه المشكلة ... اتوقع والله اعلم ان عدم تطبيق الترشيد في استهلاك الطاقة بالمواقع والمؤسسات الحكومية وعدم وجود انظمة ورقابة صارمة لذلك له دور كبير بتجاهل المشكلة من المواطنين .. فالحكومة هي المسؤول الأول عن هذا الهدر رغم انها المتضرر المباشر !!
عزيزي عصام، شكرا على مقالك الشيّق ولكن لدي عدة ملاحظات بخصوص ما ذكر في المقال، تتلخص بما هو اّت: 1) سكان المملكة تضاعفوا اكثر من 3 مرات خلال سنة الأساس 1980 (9.8 مليون نسمة) ليبلغ عددهم أكثر من 27 مليون، وهذا الانفجار السكاني بيما يصاحبه من توسع في مرافق الخدمة من المستشفيات، مصانع، جامعات، أسواق، مدارس، مطارات، طرق الخ من شأنه يشكل جزء كبير من ارتفاع استهلاك الطاقة. 2) بوجهة نظري، أرى المقارنة في أساس غير دقيقية لأنه نحن الان في حقبة تاريخية حيث معدل الانفاق الرأسمالي وما يصاحبه من طفرة عمرانية وبنية تحتية من مدن صناعية و قطارات وصرف صحي الخ بطبيعة الحال سيرفع معدل استهلاك الطاقة الى أقصاها وبمجرد الانتهاء من المشاريع الضخمة سترى اعتدال في استهلاك الطاقة.
واكبر دليل على انخفاض انتاجية المواطن السعودى ان يظهر كتاب بعقليتك المحدودة على الساحة الاعلامية ولا مقال واحد قراتة لك مكتمل الاركان انت وين درست الاقتصاد
إضافة أخيرة، حيث ذكرت ياخي عصام أن الاستهلاك خلال الفترة في أمريكا وألمانيا والصين انخفضت لكن هذا متوقع كون مراحل نمو دولتهم كانت قبل فترة المقارنة في حال امريكا وألمانيا، وفي أول فترة المقارنة في حالة الصين (1980-2000) وبالتالي مقارنة مضللة.