أصبحت ظاهرة انقطاع التيار الكهربائي في معظم دول الشرق الأوسط أمراً يجب على المواطن تحمل أعبائه على مضض، في غياب أي بصيص أمل في تحسن الصورة في المدى القريب.
وعالج هذه الظاهرة الخبير الكهربائي العربي هشام الخطيب في كلمة الافتتاح في مؤتمر للطاقة الكهربائية عقد في أبو ظبي خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وسنحاول هنا تلخيص الورقة لأهميتها ولما تقدمه من معلومات ونظرات مستقبلية حول إمكانات قطاع الكهرباء في الشرق الأوسط في حال تبني سياسات جديدة وحديثة.
يتوقع الخطيب في المستقبل استمرار التحديات ذاتها التي عاناها المواطن خلال العقود الماضية للأسباب التالية: نمو الاستهلاك السنوي بمعدلات عالية جداً، وازدياد الحاجة الماسة إلى الاستثمارات، واستمرار الاعتماد الواسع على النفط الخام والمنتجات البترولية في توليد الكهرباء، على رغم المحاولات الخجولة والمحدودة لاستعمال بدائل طاقة أخرى، واستمرار نقص الغاز الطبيعي الذي هو الوقود الأفضل لتوليد الكهرباء، والتهديد المستمر لأمن شبكات وإمدادات الطاقة والكهرباء في العديد من دول المنطقة، وعدم توافر شبكات ربط إقليمية كافية، والتوجه البطيء إلى تنويع مصادر توليد الكهرباء.
ازداد توليد الكهرباء في الشرق الأوسط خلال العقود الماضية بنحو 6 - 8 في المئة سنوياً، وتراوح هذه المعدلات بين 5 و10 في المئة سنوياً في بعض الدول العربية. واللافت ان المعدل السنوي العالمي لزيادة الطاقة الكهربائية هو نحو 2.5 في المئة فقط.
ويعود السبب في معدلات الاستهلاك العالية في الشرق الأوسط إلى زيادة عالية في نمو عدد السكان، والدعم الحكومي العالي لتأمين الكهرباء بسعر رخيص يقل كثيراً عن سعر الكلفة الفعلية، ومحاولات خجولة لترشيد الاستهلاك، والارتفاع العالي لدرجات الحرارة خلال فصل الصيف في دول الخليج.
ويشكل الدعم الحكومي لأسعار الطاقة والكهرباء العامل الأساس المؤثر سلباً في قطاعي الطاقة والكهرباء في دول الشرق الأوسط، إذ ان الدعم يؤدي إلى زيادة معدلات الاستهلاك، إضافة إلى التأخير والتعطيل في استعمال بدائل الطاقة والتقنيات الحديثة التي توفر في الطاقة.
ويساوي الدعم الذي تقدمه حكومات الشرق الأوسط نحو نصف قيمة الدعم الذي تقدمه كل الحكومات في بقية أنحاء العالم والبالغ نحو 500 بليون دولار. ويشكل الدعم لقطاعي الطاقة والكهرباء نحو 8.4 في المئة من الناتج القومي للدول المصدرة للنفط ونحو 6.3 في المئة للدول المستوردة في الشرق الأوسط.
ومن نافل القول ان هذا الدعم أصبح يشكل عبئاً ثقيلاً على اقتصادات دول الشرق الأوسط. وفي ما يتعلق بقيمة الدعم لقطاع الكهرباء، ارتفعت تكاليفه السنوية إلى 65 بليون دولار، وهذا المبلغ يعادل نحو ربع قيمة الدعم الذي تقدمه حكومات المنطقة لقطاع الطاقة عموماً. ويساعد الدعم الذي تقدمه الحكومات الطبقات الغنية، بدلاً من الفقراء. ومن الممكن مساعدة الفقراء أكثر من خلال دعم الشريحة الأولى للاستهلاك فقط.
وثمة محاولات خجولة ومحدودة لتقليص الدعم في بعض دول الشرق الأوسط، على رغم الحاجة إلى إعطاء الرفع التدريجي للدعم الأولوية الأعلى في الأجندات.
وواضح ان الارتفاع المستمر لاستهلاك الكهرباء في الشرق الأوسط، أمر يستدعي زيادة الاستثمارات. وخلال 2014 - 2018، تتطلب الحاجة إلى توسيع الطاقة الكهربائية استثمارات جديدة بقيمة 140 بليون دولار لزيادة الطاقة الكهربائية بنحو 120 جيغاوات (فدول الخليج، مثلاً، تحتاج استثمار 73 بليون دولار لتشييد 66 جيغاوات إضافية، ودول المشرق نحو 44 بليون دولار لتشييد 34 جيغاوات، ودول المغرب 23 بليون دولار لتشييد نحو 20 جيغاوات).
وسترتفع قيمة التكاليف هذه إذا أضفنا إليها تكاليف التوزيع في الفترة ذاتها لتصل إلى نحو 230 بليون دولار للشرق الأوسط برمته.
وتواجه دول الشرق الأوسط صعوبة في الحصول على الأموال اللازمة للاستثمار في قطاع الطاقة. فهناك تردد عند الحكومات في تمويل محطات الكهرباء، واتجاه في الوقت ذاته إلى إعطاء أولوية لتمويل التعليم والمنشآت الصحية والخدمات الاجتماعية.
ويتمثل الاتجاه السائد في تشييد محطات الكهرباء عبر مستثمرين مستقلين من القطاع الخاص واتفاقات لشراء الطاقة لا تشمل كلفة الوقود.
وأخذت طريقة التمويل للمحطات الجديدة الخاصة النهج الآتي: 30 في المئة رأس مال و70 في المئة ديون.
وبلغت الطاقة الكهربائية المتوافرة في الشرق الأوسط خلال 2013، نحو 220 جيغاوات (و120 جيغاوات في دول الخليج، ونحو 65 جيغاوات في دول المشرق، ونحو 35 جيغاوات في دول المغرب).
تعاني دول الشرق الأوسط كلها تقريباً نقصاً وانقطاعات في الكهرباء. بل ان عواصم بعض الدول النفطية تعاني انقطاعات في إمدادات الكهرباء لساعات يومياً.
والسبب الرئيس لهذا هو الاستهلاك الزائد الذي مرده الدعم، وكذلك سوء الإدارة لقطاع الكهرباء وشح الاستثمارات وتفشي الفساد.
نقلا عن الحياة