ضبط المفاهيم الاقتصادية وفق منهج الاقتصاد الإسلامي (9) مفهوم البيوع الآجلة في البورصة

30/10/2014 0
د.عبد الفتاح صلاح

البيوع الآجلة في البورصة هي العمليات التى يتم التعاقد عليها حالاً، ويؤجل الدفع والتسليم إلى تاريخ لاحق متفق عليه مسبقاً، يسمى موعد التصفية [1].

والغرض الأساسي من العمليات الأجلة هو تحقيق ربح من المراهنة على فرق السعر بين يوم عقد الصفقة وبين يوم التصفية، ويسمى المتعاملون في هذه العمليات بالمضاربين ( بالمفهوم الغربي للمضاربة ) [2]، ولها صور متعددة ومخاطر كثيرة سواء على المتعاملين أو على سوق رأس المال نفسه [3].

وأغلب العمليات الآجلة تجرى على المكشوف أي أن المضارب لا يملك الأسهم التي يضارب عليها [4].

البيوع الآجلة الباتة القطعية

العمليات الباتة هي التي يلتزم بموجبها كل من البـائع والمشتري بتنفيذها في يوم التصفيـة المحدد مسبقـاً، فيلتزم المشتري بدفع الثمن بالسعر الساري في البورصة العاجلة عند التعاقد ويلتزم البائع بتسليم المبيع ولا خيار لأحدهم في فسخ العقد أو إلغائه إلا أن لكل من المتعاقدين أن يصفي مركزه بأن يبيع نقداً ما اشتراه آجلاً، وله أو عليه الفرق بين سعري التعاقد والتصفية إن كان مشترياً، أو أن يشتري ما باعه آجلاً وله أو عليه الفرق بين سعرى التعاقد والتصفية إن كان بائعاً.

ولكل من المتعاقدين أيضاً أن يؤجل موعد التصفية إلى التصفية المقبلة بنقل مركزه إلى غيره مقابل سداد فائدة أو بدل عن فترة التأجيل تسمى ببدل التأجيل [5].

مثال: بفرض أن بائع ومشتري اتفقا على عملية بيع آجل لعدد 1000 سهم من أسهم شركة ما بسعر 100 جنيه، معنى هذا أن البائع ملتزم ببيع هذه الكمية من الأسهم في وقت التصفية بسعر 100 جنيه، وأن المشتري يلتزم بشراء هذه الكمية من الأسهم بسعر 100 جنيه، وهذا يعني أن المشتري عندما اشترى بهذا السعر راهن على الزيادة ( ضارب بالمفهوم الغربي )، والبائع عندما باع بهذا السعر راهن على الهبوط، فإذا جاء وقت التصفية فهناك ثلاث احتمالات:

الأول: أن يظل السعر كما هو دون تغيير، فيقوم البائع بتسليم الأسهم للمشتري وأخذ الثمن منه، وينتهى الأمر بلا كسب ولا خسارة إلا بقدر ما يتحمله المتعاملون في البورصة، وهو ما يدفع للإدارة والسماسرة.

الثاني: أن يصح توقع المشتري ويرتفع سعر السهم في السوق العاجلة عند التصفية إلى 115 جنيه، وهذا معناه أنه يأخذ من البائع بسعر 100 جنيه المتفق عليه ويبيعها بسعر 115 جنيه، والمسأله لا تحتاج إلى تعب وتسليم وتسلم، وإنما السمسار الذى يقوم بالعمليتين يسجل الفرق بالزيادة المكسب وقدره 15000 جنيه في حساب المشتري، خصماً من حساب البائع خسارة.

الثالث: أن يصح توقع البائع وينخفض سعر السهم في السوق العاجلة عند التصفية إلى 90 جنيه إذن البائع يستطيع أن يشتري من السوق بسعر 90 جنيه ويبيع للمشتري بسعر 100 جنيه، ولكن السماسرة والقائمون على البورصة يسهلون المسألة، فيخصمون الفرق بالنقص الخسارة وقدرها 10000 جنيه من حساب المشتري، ويسجلونها مكسب في حساب البائع.

ويؤدي تنفيذ عمليات البيع الآجل البات إلى كسب أحد المتعاملين بنفس القدر الذي يخسره المتعامل الآخر تماماً كالمقامرين [6].

المرابحة والوضيعة في البورصة

إذا تركنا المضاربة وذهبنا إلى ما يسمى بالمرابحة والوضيعة في البورصة [7] ، نجد أنه عندما يشعر المضاربون ( بالمفهوم الغربي ) بأنهم لن يستطيعوا تنفيذ العمليات الباتة الآجلة، لأن الأسعار تطورت كثيراً على خلاف ما توقع المضارب بائعاً أو مشترياً، هنا يمكن للمضارب أن يؤجل هذه الصفقة إلى موعد التصفية التالي وأحياناً إلى أكثر من ذلك، وهذا التأجيل يسمى مرابحة إذا كان بناء على طلب المشتري، ويسمى وضيعة إذا كان من جانب البائع [8].

بيع المرابحة

المشتري الذي راهن على ارتفاع الأسعار لتحقيق الربح، إذا أخطأ ظنه أو رهانه بأن هبطت الأسعار فإنه سيحقق خسائر لا محالة، ولتفادي الخسارة يلجأ إلى التأجيل بالبحث عن ممول من السماسرة أو غيرهم يقبل بشراء أسهمه شراءاً باتاً في موعد التصفية، ويبيعها له ثانياً بيعاً مؤجلاً حتى موعد التصفية المقبل، وذلك مقابل زيادة ( فائدة )، وتسمى هذه العملية التي تمت بالزيادة بالمرابحة أو التأجيل بالمرابحة [9].

بيع الوضيعة

وهو يتعلق بالبائع الذي راهن على هبوط الأسعار لتحقيق الربح، فإذا أخطأ ظنه بأن ارتفعت الأسعار، فلكي يتفادى الخسارة فإنه يبحث عن مضارب آخر يملك نفس النوع من الأسهم فيشتريها منه في موعد التصفية، ويبيعها له مجدداً حتى موعد التصفية المقبل، وتسمى عملية التأجيل هذه بالوضيعة [10].

مثال: لتتضح الصورة أكثر نفترض أن المشتري الذي ( ضارب بالمفهوم الغربي ) راهن على الصعود في المثال السابق، وأخطأ ظنه وانخفضت الأسعار إلى 90 جنيه، مما يعني أنه سيتحمل خسارة قدرها 10000 جنيه، مازال يتوقع تحسن السعر في التصفية التالية بما يعوضه عن خسارته، فإذا كان الأمر كذلك فإنه سيصدر إلى سمساره أمراً بتأجيل مركزه، فيبحث له السمسار عن بائع يرغب في تأجيل التسليم، مقابل بدل يتم الاتفاق عليه.

فإذا لم يجد السمسار بائعاً راغباً في تأجيل التسليم فإنه يبحث عن ممول ينقل إليه مركز المراهن حتى ميعاد التصفية التالية، والممول هو مجرد ناقل يرغب في فائدة لأمواله، فيتسلم الأوراق بدلاً من المراهن ويدفع ثمنها نقداً حسب سعر التصفية، ثم يبيعها للمراهن مرة أخرى بالأجل مقابل حصوله على بدل التأجيل، وبفرض أن المراهن تمكن من تأجيل مركزه إلى التصفية التالية مقابل بدل تأجيل قدره 5. %، وأن سعر السهم قد ارتفع في تاريخ التسوية التالية إلى 110 جنيه، فإنه من الممكن تصوير مركز المراهن على الوجه التالي [11].

مركز المراهن ( المضارب بالمفهوم الغربي )



يتبين من مركز المراهن أنه قد تمكن من تحويل خسارته البالغ قدرها 10000 جنيه إلى مكسب قدره 9550 جنيه بعد نقل أو تأجيل مركزه إلى التصفية التالية.

بعد هذا الإيضاح يتبين صحة القول بأن المضاربة في البورصة تعني المراهنة والمقامرة، والمرابحة في البورصة تعني قرض ربوي للمشتري المراهن على الصعود، والوضيعة في البورصة تعني قرض ربوي للبائع المراهن على الهبوط [12].

الموقف الفقهي من البيوع الآجلة الباتة القطعية

البيع الآجل البات بصفته السابقة لا يجوز شرعاً، ولا تترتب عليه آثاره، وتأباه نصوص الشريعة وقواعدها [13] . وفيما يلي أدلة هذا الرأي ومسوغاته:

1- أحكام عقد السلم الجائز في الشريعة الإسلامية لا تنطبق على هذه العمليات، وذلك لأن الثمن لا يدفع في مجلس العقد بل يتأخر تسليمه إلى موعد التصفية، كذلك أحكام البيع إلى أجل معلوم لا ينطبق عليها، لعدم تسليم السلعة ( الأسهم ) في الحال [14].

2- أغلب العمليات الآجلة تجري على المكشوف وهذا النوع من البيوع غير جائز، لأنه يندرج تحت حكم بيع الشخص ما ليس عنده، ولوجود علة الربا [15].

3- البيوع الآجلة الباتة يتأجل فيها تسليم المبيع كما يتأجل تسليم الثمن فكانت من قبيل النسيئة بالنسيئة ودخلت بالتالي في معنى الكالئ بالكالئ المنهي عنها شرعاً [16].

4- البيع الآجل البات لا يهدف في الواقع بيع ولا شراء، ولا تسليم ولا تسلم، بل المراد المراهنة والقمار على تفاوت الأسعار، ويدل على ذلك إحصائية أجرتها بورصة نيويورك وكان نتيجتها أن القبض الفعلي لا يكاد يصل إلى (02%) إثنان في المائة [17].

5- بدل التأجيل يمثل زيادة مشروطة على أصل القرض محددة زمناً ومقداراً يدفعها المقترض وهو المضارب (بالمفهوم الغربي للمضاربة وليس الشرعي) للمقرض وهو الممول، وبهذا المعنى هو من ربا النسيئة المحرم شرعاً [18].

6- هذه العمليات تخالف الوظيفة الافتراضية الأساسية للبورصة، وهي توجيه الأفراد إلى المساهمة في الشركات الحيوية والمنتجة لتحقيق الربح من عوائد نشاطها الحقيقي الذي أسست من أجل القيام به، وليس المقامرة على تقلبات أسعار أسهم هذه الشركات.

الخلاصة أن البيوع الآجلة الباتة بالصورة التي تتم بها في البورصة فاسدة ولا تصح بأي وجه من الوجوه. هذا والله أعلم.