يتطلب تعزيز إقبال المستثمرين على الأسواق المالية الأولية (أسواق الإصدارات) في المنطقة وإعادة الانتعاش إليها، بعد فترة ركود استمرت نحو أربعة أعوام نتيجة التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية وما تبعها من أزمات، عوامل من أهمها تحسن مؤشرات أداء الأسواق الثانوية (أسواق الأسهم)، التي تقيس حجم التداولات اليومية وعدد الصفقات المنفذة وأسعار الأسهم ووفرة السيولة ومستوى الثقة، إلى جانب مدى جاذبية البيئة التشريعية التي تقدّمها هيئات الأسواق المالية لتشجيع الشركات على طرح أسهمها للاكتتاب العام.
ويجب الأخذ في الاعتبار أهمية طرح أسهم خاصة بشركات مساهمة عامة غير ممثلة في الأسواق المالية وتعمل في قطاعات واعدة وتشهد نمواً متواصلاً في أدائها، مثل قطاع الصحة والتعليم، مع ملاحظة أهمية التطور الكبير الذي شهدته آليات الاكتتاب في بعض دول المنطقة، خصوصاً الإمارات حيث تعتمد الأسواق آليات لبناء سجل الأوامر الخاصة بتسعير قيمة الاكتتابات، ناهيك عن السماح للأجانب بالمشاركة في الاكتتابات بعد اقتصارها على مواطني الدول، ما ساهم في توسيع قاعدة المكتتبين وتنويع خبراتهم المالية.
وتقدَّر، مثلاً، قيمة الأموال الأجنبية التي تدفقت على اكتتابي شركتي «إعمار مولز» و»ماركة» هذا العام بنحو 117 بليون درهم (32 بليون دولار) من إجمالي 183 بليون درهم جُمعت في الإصدارين.
وساهم توافر الشروط المذكورة في نجاح الاكتتابين في أسهم «إعمار مولز» و»ماركة» إذ بلغت نسبة التغطية لـ «إعمار مولز» 30 ضعفاً للمؤسسات و20 ضعفاً للأفراد، بينما بلغت لـ «ماركة» 36 ضعفاً.
وجديرة بالملاحظة عودة المصارف الإماراتية إلى تقديم التمويلات إلى المكتتبين في الأسهم المطروحة للاكتتاب العام بعد توقف استمر أكثر من خمس سنوات نتيجة ارتفاع أخطار الاكتتابات، ما يعكس ارتفاع ثقة القطاع المصرفي في نجاح هذه الاكتتابات، إضافة إلى الثقة في أداء الاقتصاد وأداء الشركات المعنية.
وقُدِّرت نسبة تمويل المصارف للاكتتابات في الشركتين بنحو 60 في المئة، وهذه التسهيلات تمويلات ورقية وليست سيولة خرجت من المصارف.
وقد تؤثر الظروف السلبية التي تمر بها أسواق المنطقة والعالم في حجم تغطية الاكتتاب في أسهم الشركات التي تطرح للاكتتاب خلال هذه الفترة ومنها، مثلاً، شركة «أمانات» الإماراتية التي بدأ الاكتتاب بأسهمها الاثنين بطرح 1.355 بليون سهم تعادل 55 في المئة من رأس مال الشركة للاكتتاب العام للإماراتيين وغير الإماراتيين بعد ان اكتتب المؤسسون بما نسبته 45 في المئة من رأس مال الشركة، علماً بأن هدف الشركة تأسيس محفظة من الأصول الاستثمارية في قطاعي الصحة والتعليم في دول الخليج فيبدأ لتركيز بداية على أسواق الإمارات والسعودية.
وثمة أهمية للقطاعات التي تعمل فيها هذه الشركة وهي غير ممثلة في الأسواق المالية الإماراتية.
وفي الختام فان اختيار التوقيت المناسب وتوافر الشروط التي تساهم في الإقبال على الاكتتابات أو زيادة رؤوس أموال الشركات القائمة يجب ان تؤخذ في الاعتبار خلال هذه الفترة حتى عودة الثقة وتدفق السيولة على الأسواق الثانوية التي تمر بفترة استثنائية وتراجع مبالغ به في مؤشرات أدائها بعد ارتباطها غير المبرر بأداء الأسواق العالمية، فاقتصادات الخليج تشهد أداء قوياً، خصوصاً على صعيد نمو نواتجها المحلية الإجمالية وتميز ربحية الشركات المدرجة في أسواقها وجاذبية أسعارها.
أما الاختلالات الهيكلية التي تعانيها أسواق المنطقة، وفي مقدمها سيطرة سيولة الاستثمار الفردي وضعف سيولة الاستثمار المؤسسي، إضافة إلى انخفاض الوعي والثقافة الاستثمارية وتركز التداولات على أسهم شركات المضاربة، ساهمت وتساهم في تعميق خسائر الأسواق خلال هذه الفترة ووجود فجوة كبيرة بين الأسعار السوقية لأسهم الشركات القيادية وأسعارها العادلة.
نقلا عن الحياة