عرضت الأسواق الخليجية والكثير من أسواق المنطقة لخسائر جسيمة خلال الأسبوع، وأجمع المحللون على حصول مبالغة في البيع العشوائي وعدم وجود أسباب منطقية لهذا التراجع الكبير في ظل الأساسيات الاقتصادية القوية وتوقعات النمو الكبير في أداء القطاعات الاقتصادية المختلفة وأداء الشركات خلال العام، خصوصاً في دول الخليج حيث تراجعت حصة قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي ولو في شكل محدود في معظم هذه الدول بعد ارتفاع حصة القطاعات الاقتصادية الأخرى بفضل السياسة التي اعتمدتها دول الخليج منذ سنوات.
والخسائر الجسيمة التي تعرضت لها الأسواق العالمية وتراجع أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي الذي تتعرض له اقتصادات الدول الصناعية سواء في أوروبا أو اليابان أو غيرها من الدول، من أسباب موجة التشاؤم التي اجتاحت أسواق المال في المنطقة.
لكن، يجب الأخذ في الاعتبار الكثير من الاختلالات الهيكلية التي ما زالت تعانيها غالبية أسواق، وفي مقدمها سيطرة سيولة المضاربين على الحركة اليومية لهذه الأسواق في مقابل ضعف سيولة الاستثمار المؤسسي ومحدوديتها.
ومعلوم أن معظم المستثمرين والمضاربين الأفراد تنقصهم الخبرة والوعي والثقافة الاستثمارية، وعادة ما تكون قراراتهم، سواء بالبيع أو الشراء، عاطفية وعشوائية وتعتمد على الإشاعات وآراء الأصدقاء، بعكس الاستثمار المؤسسي الذي يعتمد في قراراته الاستثمارية على التحليلات والدراسات والتوقعات وتوصيات كبار المحللين والمستشارين الماليين.
ورفعت سيطرة سيولة الاستثمار الفردي في أسواق المنطقة مستوى أخـــطارها وتــــذبذب مؤشـــراتها وخفض مستوى كفاءتها مع ملاحظـــة أن ســـيولة الاستثمار المؤسسي في الأسواق المتقدمة تشكل حوالى 80 في المئة من السيولة اليومية لهذه الأسواق، بينما لا تتجاوز نسبة الاستثمار المؤسسي 20 إلى 30 في المئة.
هكذا، برز البيع العشوائي والمكثف وغير المبرر في الكثير من أسواق المنطقة خلال الأسبوع، خصوصاً في السعودية والإمارات وقطر ومصر، وهي الأسواق التي حققت مكاسب كبيرة خلال هذا العام، فتجاوزت خسائر سوق الأسهم السعودية، وهي أكبر سوق في المنطقة، الأحد لوحده، وهو اليوم الذي بدأ فيه مسلسل التراجع، ستة في المئة تعادل خسائر مؤشر سوق دبي في اليوم ذاته.
ومن الاختلالات الهيكلية التي تعانيها أسواق المنطقة ضعف ثقافة الاستثمار لدى المستثمرين الأفراد، إذ تتركز استثماراتهم في أسهم شركات المضاربة من دون الالتفات إلى مؤشرات الأداء والنمو والربحية والكفاءة الإدارية في هذه الشركات، ما يساهم في بيع أسهم هذه الشركات عند التراجع الأول في الأسعار، بينما يحتفظ المستثمرون الذين يتمتعون بوعي استثماري عالٍ بأسهم الشركات في المدى الطويل عند توافر الكثير من المعايير والمؤشرات للاستفادة من نمو الاقتصاد ونمو ربحية الشركات وتوزيعاتها، ولا تكون القرارات ببيع أسهم هذه الشركات عشوائية، بل مستندة إلى عوامل وتحليلات منطقية ومهنية.
لذلك، كانت خلال الأسبوع عمليات البيع محدودة من طرف الاستثمار المؤسسي المحلي والمستثمرين المختصين، خصوصاً في أسواق الإمارات، فيما عمد بعضهم إلى الشراء عندما تراجعت أسعار أسهم بعض الشركات القيادية إلى ما دون أسعارها العادلة، ولا شك في أن ارتباط أسواق الإمارات وقطر ومصر بالأسواق العالمية، خصوصاً بعد إدراجها في مؤشرات عالمية، ومنها مؤشر «مورغان ستانلي»، أدى إلى ارتباط نفسي بين أسواق المنطقة والأسواق العالمية، خصوصاً عند موجات التراجع.
وأدى غياب صناع السوق في معظم أسواق المنطقة إلى ازدياد تذبذب مؤشرات أدائها وانخفاض كفاءتها، إذ يساهم صناع السوق، وهم مستثمرون أو شركات على أهبة الاستعداد دائماً لشراء الأصول المالية أو بيعها بسعر محدد واضح في المدى الطويل، في استقرار الأسواق المتقدمة من خلال شراء أسهم الشركات عندما تنخفض إلى ما دون قيمتها العادلة وبيعها عندما ترتفع فوق قيمتها العادلة. ويعتمد صناع السوق على البحوث والدراسات والمعلومات الضرورية التي تساعدهم في تحديد الأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة، بالتالي لا يسيرون خلف المضاربين أو المتلاعبين ويعملون على الحد من المضاربات العشوائية.
ورخصت هيئة الأوراق المالية في الإمارات لبعض المصارف المحلية الإماراتية لتقديم خدمة صانع السوق خلال هذا العام، ويُتوقَّع تنفيذ هذه الخدمة نهاية العام ليساهم صناع السوق في الإمارات في توزيع السيولة على كل الفرص الاستثمارية المتوافرة في الأسواق، بدلاً من تركيزها على أسهم شركات المضاربة التي لا تتجاوز 20 في المئة من إجمالي عدد الشركات المدرجة.
نقلا عن الحياة