أشار تقرير أخير لوكالة «موديز» للتصنيف إلى أن الأوضاع المالية للكويت متينة، وحدد تصنيفاً ائتمانياً مرتفعاً لها هو Aa2.
وشدّد التقرير على متانة الأوضاع المالية من خلال توافر احتياطات نفطية طبيعية تكفي لـ89 سنة، وأوضاع مالية متينة تشبه أوضاع سنغافورة والإمارات، وتدني الدين الحكومي، وتراكم فوائض مالية منذ سنوات طويلة، واستمرار الفائض في الحساب الجاري، وأخيراً الحضور المهم في ميادين الاستثمار الدولية.
هذه عوامل أساسية لتأكيد قوة الاقتصاد الكويتي، إذ بلغ معدل الإيرادات النفطية السنوية حوالى 100 بليون دولار، إذ يقدَّر الإنتاج بحوالى 2.7 مليون برميل يومياً.
ويقدَّر الناتج المحلي الإجمالي لعام 2013 بحوالى 200 بليون دولار، ما يعني أن متوسط الدخل السنوي للفرد يساوي 50 ألف دولار مع الأخذ في الاعتبار أن عدد سكان الكويت يساوي أربعة ملايين شخص من بينهم 1.2 مليون كويتي.
وأشار تقرير «موديز» إلى أن الكويت تملك أصولاً في صندوقها السيادي تساوي 400 بليون دولار، أي ضعف الناتج.
ولا شك في أن هذه الأصول تدر عائدات مناسبة للكويت بما يعزز إيراداتها السيادية. ولا تزال الكويت قادرة على تعزيز قيمة هذه الأصول نظراً إلى تمكنها من تحقيق فوائض مالية مهمة على مدى السنوات الماضية بما يؤكد قدرتها على توظيف أصول جديدة في استثمارات متنوعة حول العالم، وحتى لو انخفضت الفوائض خلال السنوات المقبلة في حال تراجعت أسعار النفط، ففي مقدور الحكومة أن تحافظ على مستوى جيد من الفوائض بفعل ترشيد الإنفاق الجاري.
أثار التقرير أمراً مهماً، وهو أن النفط مكّن الكويت من بناء ثروة مالية مهمة وحسّن ظروف المعيشة وعزز الدور الاقتصادي للكويت في المنطقة والعالم، لكن ذلك كشف الاقتصاد الكويتي أمام تقلبات سوق النفط، واحتمالات تراجع الأسعار خلال السنوات المقبلة.
ويتوقع التقرير أن يكون معدل النمو الاقتصادي بحدود ثلاثة في المئة هذا العام، بعدما سجل 0.8 في 2013.
ويبقى تحقيق معدل ثلاثة في المئة مرهوناً بما سيحدث في أسواق النفط خلال الشهور المقبلة، فإذا تعافت تلك الأسواق وانتعش الطلب على النفط ربما يمكن بلوغ ذلك المعدل.
لكن أسعار النفط تتجه نزولاً لذلك، لا بد للكويت من أن تكيف أوضاعها المالية في شكل حذر وتقوم بإجراءات تؤدي إلى ترشيد الإنفاق في شكل مهم.
وشدّدت الحكومة الكويتية على توجهات الترشيد، وهناك إمكانات لتعديل سياسات الدعم السلعي ووضع حد لزيادات الرواتب والأجور خلال السنوات المقبلة.
وتبين أن النمو في الإنفاق تراجع إلى حد يعني أن الإجراءات الترشيدية تسير في شكل جيد. وليست تحديات الترشيد يسيرة فهي تتركز في الرواتب والأجور والدعم السلعي.
تؤمّن الحكومة الوظائف للمواطنين المتدفقين إلى سوق العمل في الدوائر الحكومية ومؤسسات القطاع العام، إذ يظل القطاع الخاص غير قادر على جذب المواطنين للعمل في مختلف منشآته ومؤسساته، على رغم نظام دعم العمالة الذي تموله الحكومة تشجيعاً للعمل في القطاع الخاص.
وهناك تفاوت في الميزات والكوادر بين القطاعين، ناهيك عن اختلاف أنظمة العمل.
يضاف إلى ذلك ضعف المهارة والكفاءة لدى مخرجات الأنظمة التعليمية في البلاد، فلا تتسق مع متطلبات المهن والوظائف في القطاع الخاص.
ولا يؤمّن التعليم في الكويت فرصاً للتعليم المهني الملائم والمتسق مع المعايير المتبعة في الكثير من البلدان المصدرة للعمالة الماهرة.
وشدّد التقرير على التحدي الديموغرافي، إذ يمثل الذين تقل أعمارهم عن 24 سنة 60 في المئة من الكويتيين، وهذا تحدٍّ يتطلب سياسات عقلانية وبرامج تنموية تؤكد أهمية التنمية البشرية وتعمل للحد من النمو السكاني المتسارع الذي يزيد عن 2.8 في المئة سنوياً بين المواطنين.
ويبقى اعتماد سوق العمل على الوافدين خللاً هيكلياً ما لم تبرمج الخطط الهادفة لتطوير التعليم المهني بموازاة برامج الإصلاح المالي الذي يخفف من أعباء الدعم، بكل صنوفه، من أجل تعزيز نزعة الترشيد في السلوكيات الاستهلاكية والاجتماعية بين المواطنين.
لكن، هل يمكن الحكومة في ظل نظام سياسي يتسم بالشعبوية ومحاولة إرضاء المتطلبات الآنية للمواطنين أن تعالج هذه الاختلالات البنيوية في الإنفاق العام؟
يتعين أن تعمل الحكومة ومجلس الأمة لاستثمار الأوضاع المالية المناسبة لتطوير البنية التحتية وزيادة سعة المرافق وتوسيع شبكة الطرق والعمل لإيجاد أنظمة النقل الجماعي.
ولا بد من زيادة الإنفاق الرأسمالي من خلال آليات الموازنة العامة للدولة، مع تمكين القطاع الخاص من المساهمة في المشاريع من خلال برامج التخصيص وفتح مجالات النشاط الموصدة أمام القطاع الخاص في قطاعات حيوية مثل النفط والمرافق والخدمات.
والأهم أن الكويت التي استطاعت أن توفر مبالغ مهمة لتوظيفها من خلال صندوقها السيادي، إضافة إلى تطوير نوعية الحياة في البلاد، لا تزال أسيرة للاقتصاد النفطي ولم تتمكن من تنويع القاعدة الاقتصادية.
ويظل القطاع الخاص في البلاد معتمداً إلى حد كبير على نشاط الحكومة وإنفاقها الجاري والرأسمالي فيما يجب عليه أن يلعب دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية والاضطلاع بمسؤوليات واسعة، وهذا يتطلب إدارة سياسية تؤمن بدور القطاع الخاص وتفتح مجالات أمامه للعمل مباشرة أو بالشراكة مع القطاع العام في مجالات محددة.
أما التحدي الأساسي فهو تحدي التنمية البشرية، فالبلاد تتطلب مراجعة شاملة وجراحية للنظام التعليمي من أجل تحقيق التواؤم بين متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم.
نقلا عن الحياة