خطابات الاعتماد المصرفية

02/10/2014 0
د. عبد القادر ورسمه غالب

من الخدمات المهمة التي تقدمها البنوك التسهيلات المصرفية التي تتم عبر فتح خطابات الاعتماد بأنواعها المختلفة، لتسهيل تعاملات العميل و فتح نافذة للتعامل مع أي جهة يرغب في التعامل معها.

ولولا توفر خطابات الاعتماد المصرفية، لما تم التعامل التجاري خصوصا مع العالم الخارجي بالقدر الذي نعيشه الآن.

ويجوز لنا أن نقول إن خطابات الاعتماد التي تقدمها البنوك التجارية  لعملائها هي أساس التجارة الدولية. ولهذا قامت غرفة التجارة الدولية International Chamber of Commerce بإصدار القواعد والأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية شاملة خطابات الاعتماد.

وإصدار هذه القواعد الموحدة يعتبر من أهم إنجازات غرفة التجارة الدولية، خاصة وأن أثره واضح في ترقية وتسهيل النشاط والتبادل التجاري بين المستوردين والمصدرين مما ينشط التجارة.

وتلعب القواعد والأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية دوراً كبيراً في تنظيم العمل في النشاطات التجارية الدولية بموجب الاعتمادات المستندية، ولقد سميت هذه القواعد (القواعد الموحدة  (Unified Rules نظراً لأنها تنطبق على كل الدول بمفهوم موحد، وتطبق على جميع الاعتمادات المستندية.

ويجري العمل وفق هذه القواعد والأعراف الموحدة منذ فترة طويلة، وقامت غرفة التجارة الدولية بإجراء العديد من التعديلات لهذه القواعد، وذلك وفقاً لمستجدات التجارة الدولية والبينية مع العلم أن هذه التعديلات يتم نشرها تباعا و أولا بأول حتى يعلمها الجميع.ما هو المقصود بخطابات الاعتماد؟

وفي إيجاز نقول إن هذا النشاط المصرفي، يشمل العمل أو الترتيبات التي يقوم بموجبها بنك معين بإصدار الاعتماد المطلوب، ويسمى البنك مصدر الاعتماد، وذلك وفقاً لتعليمات وتوجيهات العميل أو طالب الخدمة، أو القيام بالعمل أو الترتيبات لحساب البنك الخاص. يقوم البنك «مصدر الاعتماد» بموجب خطاب الاعتماد بتنفيذ إحدى البدائل الآتية:

القيام بدفع المبلغ المطلوب للمستفيد، وربما لا يدفع للمستفيد مباشرة بل لأمره أو قيام البنك بدفع أو قبول كمبيالات أو أوراق تجارية مسحوبة من المستفيد.

أو أن يطلب من بنك آخر ويصرح له القيام بتنفيذ ما ورد في البديل الأول، وهذا لعدم تمكن البنك، ولأي سبب، من التعامل مباشرة مع المستفيد وعلى البنك المعين التصرف وفقاً للتعليمات التي وصلته من البنك مصدر الاعتماد، لأنه من الناحية القانونية يعتبر وكيلاً له.

ومن الناحية القانونية والفنية فإن العمليات المصرفية المذكورة في هذه البدائل هي التي تشكل خدمة خطابات الاعتماد التي تقدمها البنوك يوميا لعملائها، وذلك حسب طلبهم أو حسب الحال المطلوب.

واستناداً إلى القواعد والأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية، فإن الشخص المستفيد يمثل أحد أركان الاعتماد الأساسية.  ومن الناحية القانونية، ونظراً لخصوصية عقد خطاب الاعتماد واستقلاليته عن العقد التجاري، يجب على الشخص المستفيد أن يحصر نفسه فيما ورد في عقد خطاب الاعتماد فقط.

ولا يجوز له أن يجني أية فوائد إضافية لنفسه نظير العلاقات التعاقدية القائمة بين العميل والبنك المصدر للاعتماد أو مع أية بنوك أخرى لها علاقة بخطاب الاعتماد لأنه ليس طرفا فيها.

ولابد من أن نذكر أن من القواعد الأساسية المتعلقة بالاعتمادات المستندية تعامل جميع الأطراف، المرتبطة بخطاب الاعتماد، مع المستندات فقط وليس مع البضائع أو الخدمات أو غيرها.  ولهذا سميت بـ«الاعتمادات المستندية» وذلك لارتباطها بالمستندات دون غيرها.

واستناداً إلى هذه القاعدة، أي قاعدة التعامل مع المستندات فقط، فإن على البنوك التجارية التي تقدم هذه الخدمة توخي الحذر في فحص المستندات والتأكد من أنها في ظاهرها مطابقة لشروط ومتطلبات خطاب الاعتماد.

وبعد فحص المستندات يتوجب على البنك، وفي جميع الأحوال، أن يدفع للمستفيد أو لأمره ما دام قد تبين له أن المستندات في ظاهرها صحيحة، وليس على البنك الانتظار حتى يتأكد من استلام البضاعة أو تقديم الخدمة، و ذلك لأنه يتعامل بـ(المستندات فقط) ولا علاقة له بالبضائع أو الخدمات التي تشير إليها المستندات.

ويتم تقديم المستندات للبنك المعني على حسب الحال، وقد يكون هذا البنك هو البنك مصدر خطاب الاعتماد أو البنك المعزز له، أو البنك المعين الذي يعينه البنك مصدر الاعتماد كوكيل له.

والتعليمات الواردة في خطاب الاعتماد يجب أن تكون كاملة ودقيقة في جميع الأحوال، وهذا أيضا ينطبق على أية تعديلات تطرأ، ويتم إدخالها في خطاب الاعتماد.

والغرض من هذا تجنب حدوث أي لبس أو سوء فهم أو تباين في التفسير والآراء، بحيث تكون التعليمات الواردة في خطاب الاعتماد قاطعة وواضحة لجميع الأطراف.

ومن المستحسن تجنب إضافة أية تفاصيل زائدة أو كلمات «حمالة أوجه» في الاعتماد أو التعديلات اللاحقة له… ومن الجدير بالذكر أن معظم المنازعات أو الخلافات القانونية قامت أو تقوم بين الأطراف نظرا لعدم الوضوح في التعليمات ، والأمثلة العملية كثيرة والحذر واجب حتي لا يقع سوء الفهم لاحقا.

وقد يشكل خطاب الاعتماد اعتماداً «قابل للإلغاء» أو اعتماداً «غير قابل للإلغاء» ، ونظراً لأن المسؤولية القانونية تختلف وفقاً لنوع الاعتماد فلابد من توضيح صفة الاعتماد، وهذا يعنى هل هو اعتماد قابل للإلغاء أو اعتماد غير قابل للإلغاء، وإذا لم يتم توضيح الصفة لأي سبب من الأسباب يعتبر الاعتماد من الناحية القانونية غير قابل للإلغاء.

وفي الواقع أن الاعتمادات غير القابلة للإلغاء تمثل ضماناً كافياً للمتعاملين؛ لأن البنك يلتزم بضمان حقوقهم وفقاً لما ورد في خطاب الاعتماد….  وغني عن القول إن الاعتمادات القابلة للإلغاء تفتقر لهذا الضمان البنكي المهم، ولذا فالاعتمادات غير القابلة للإلغاء لها قصب السبق في هذا المضمار مما يجعلها تلعب دوراً كبيراً في التجارة الدولية.

عملية فتح خطاب الاعتماد و تمويله تشمل سلسلة من الإجراءات الروتينية التي لا بد من إتباعها خطوة بخطوة وتبدأ بقيام العميل بتقديم فاتورة مبدئية (بروفورما) لموظف البنك المختص في قسم الاعتمادات، ويقوم العميل بتعبئة الطلب (النموذج) المحدد لفتح خطاب اعتماد مستندي.

وعلى موظف البنك أخذ كل البيانات عن العميل وعنوانه وكيفية الاتصال به وأيضاً الاطلاع علي المستندات الضرورية مثل السجل التجاري أو الترخيص التجاري أو النظام الأساسي للشركة أو عقد التأسيس وغيره من المستندات حسب الضوابط السارية في البنك و وفق الأحكام ذات العلاقة ومقتضيات كل حالة.

وعلي حسب الممارسة المصرفية السليمة يجب علي الموظف المختص في دائرة الاعتمادات فحص الطلب جيداً للتأكد من أن كل البيانات قيدت ووضعت بصورة صحيحة وواضحة وحسب الأصول المصرفية المتعارف عليها. ولا بد من التأكد من توقيع العميل في جميع الأماكن والإقرارات المطلوب التوقيع عليها.

هذا الأمر مهم جدا من الناحية القانونية؛ لأن التوقيع يؤخذ كإقرار من صاحبه وموافقته علي كل البيانات التي قام بوضع توقيعه تحتها.

 كما ننوه إلي ضرورة قيام مراقب الحسابات أو من يقوم مقامه بمضاهاة التوقيع للتأكد من صحته، وقد يستدعي الأمر مضاهاة التوقيع لدي بنك آخر يتعامل معه العميل أو الاتصال مباشرة مع العميل لمزيد من الحرص.

وهناك قضايا أمام المحاكم محورها التوقيع ومدي صحته، ولذا يجب على البنوك أخذ الحيطة وكل الحذر والتأكد من التوقيع وصحته خاصة وأن هناك من يستغل عمليات فتح الاعتمادات المستندية لارتكاب جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.حماكم الله.

وبعد التأشير علي صحة البيانات وسلامة المستندات والتأشير علي مضاهاة التوقيع يرفع الملف إلى رئيس قسم الاعتمادات ليقوم بالمراجعة النهائية مستفيداً من خبرته التراكمية في هذا الخصوص.

وبعد هذا يتم تعبئة طلب تصديق الاستيراد الذي يتم إرساله للجهات الأعلى في البنك للتصديق بفتح خطاب الاعتماد مع ذكر اسم البنك المراسل في الخارج وتحديد الهامش النقدي المطلوب دفعه بواسطة العميل الذي طلب فتح الاعتماد والتصديق علي عمليات النقد الأجنبي (في بعض البلدان) أو تحديد سعر العملات الأجنبية وفق الأحكام المتبعة والتعليمات ذات العلاقة.

وبعد ذلك يقوم الموظف المسئول بإعداد خطاب الاعتماد وفق الشروط والمستندات المطلوب تقديمها كما ورد في طلب العميل.

كل هذه الإجراءات، يجب أن تتم وفق الأحكام والأصول المصرفية والأعراف الموحدة التي تنظم خطابات الاعتماد وفق نشرات غرفة التجارة الدولية بباريس النافذة المفعول. نذكر أنه ووفق الإجراءات المتبعة في كل البنوك فإن خطاب الاعتماد المستندي يتم فتحه بعدة وسائط ووسائل اتصال كالبريد أو التلغراف أو التلكس أو الفاكس  ومن وسائل الاتصال أيضاً نظام ألـ»سويفت».

وفي كل هذه الحالات يتم طباعة خطاب الاعتماد ويعطي رقما متسلسلا، وتتم مراجعته عدة مرات بواسطة الموظف ورئيس القسم المختص ويتم التوقيع عليه بواسطة اثنين من الموظفين ممن لديهم سلطة التوقيع نيابة عن البنك.

وبعد هذه الخطوات الروتينية يرفع الخطاب مع المستندات الضرورية للمراجعة النهائية مع وضع التوقيع النهائي إيذانا بإرسال الخطاب لعمل «الشفرة» أو إرساله عبر وسائط الاتصال الأخرى. ويجب أن يكون هناك توقيع (أ) على الأقل؛ لأن حامل هذا التوقيع يكون لديه خبرة كافية تضمن أن الإجراءات المتبعة والمستندات المقدمة سليمة وصحيحة.

وجميع المستندات الخاصة بخطاب الاعتماد المستندي والصور المكتبية الخاصة بالقيود المحاسبية يجب أن تحفظ في ملف خاص لهذا الغرض، وذلك حتى يسهل الرجوع إليه كلما دعي الحال وعند الضرورة.

وجرت العادة، في البنوك، أن تتم كتابة البيانات الموجزة على ظاهر الملف، مع توضيح ما تم من إجراءات وفق التسلسل المطلوب وفي العادة، يتم تثبيت ورقة في داخل الملف تتضمن كل البيانات التاريخية عن خطاب الاعتماد والقيود التي أنشئت وتاريخ تمريرها وأي ملاحظات هامة خاصة بالاعتماد.

مع العلم أن هذا الملف قد يمر علي الدائرة القانونية للإدلاء بالرأي القانوني عند الضرورة ولتوضيح بعض النقاط القانونية ولذا يجب علي القانونيين بالبنوك الإلمام بالإحكام المنظمة لإصدار خطابات الاعتماد لتقديم النصح القانوني السليم بما يخدم مصلحة العملاء مع صيانة حقوق البنك القانونية، كما يجب التأكد من وضع السياسات السليمة التي تحكمها اللوائح الواضحة في التعامل مع هذه الخدمة المصرفية العامة.

هذه الإجراءات والخطوات بالرغم من أنها تبدو سهلة وغير معقدة إلا أن التنفيذ تكتنفه العديد من المشاكل والصعوبات العملية، وهذا قد ينجم من عدم إدراك أي من الأطراف بدوره المناط به أو عدم التدقيق في المستندات عند تقديمها أو عدم وضوح شروط التصديق أو الموافقة النهائية أو اللبس في الفهم ولغير هذا وذاك وفي جميع الأحوال فإننا ننصح العاملين في مجال الاعتمادات المستندية ببذل كل الحرص وممارسة كل الإجراءات وفق متطلبات الممارسة المهنية المصرفية والأعراف الموحدة وسلامة الضمير والوجدان السليم حتى تتكلل العملية بكل النجاح وبما يرضي ويحقق طموحات جميع الأطراف، وهذا بيت القصيد.

من الجدير بالذكر أن البنوك يوميا تفتح أعداداً كثيرةً، ولا تحصي من خطابات الاعتماد، وفي هذا فوائد عديدة للبنوك أهمها خدمة العملاء وتلبية طلباتهم إضافة إلى تحصيل رسوم ثابتة مقابل إصدار الخطابات وهذه الرسوم متكررة يوميا وتساهم في دخل البنك وأرباحه، وقبل كل هذا فالبنوك عبر هذه الخدمة المصرفية الهامة تساهم وبإيجابية في تنمية ودعم التجارة الدولية، لأن خطابات الاعتماد لتغطية الصادر والوارد من كل أرجاء المعمورة.

والواضح أن البنوك بتقديمها لهذه الخدمة الهامة تقوم بخدمة المجتمع في تذليل العمل التجاري علي المستويين المحلي والدولي ولو انقطع هذا الدور المهم سيتوقف دولاب التجارة مما يضعف الحركة الاقتصادية والتجارية..

نقلا عن عُمان