أسواق النفط العالمية مشبعة به وأسعاره عند أدنى مستويات منذ سنة على الأقل، على رغم الأزمات العالمية الكثيرة الممتدة من الشرق الأوسط (ليبيا وسورية وشمال العراق) إلى أوكرانيا (النزاع الغربي - الروسي في شأنها والعقوبات الاقتصادية المتبادلة والتهديدات بمزيد منها).
ويتضح ان التخمة الحالية الموجودة في أسواق النفط هي التي خفضت متوسط الأسعار عن 100 دولار للبرميل، ولولا هذه التخمة لتجاوز متوسط الأسعار 115 دولاراً بكل سهولة. وكل هذا يدل الى ضعف معدل نمو الطلب العالمي والى وفرة إمدادات النفط.
وأسواق النفط مشبعة على رغم شبه توقف الإمدادات من ليبيا، وتوقف الولايات المتحدة عن استيراد النفط الخام من القارة الأفريقية، سواء من نيجيريا أو الجزائر أو أنغولا، ما جعل هذه الدول تتوجه إلى مناطق أخرى كالصين وأوروبا حيث ستنافس الدول الخليجية في أسواقها النفطية التقليدية.
وشكّل توقف الولايات المتحدة عن استيراد النفط من أفريقيا ضربة صاعقة للمؤتمر الذي استضافته واشنطن وتمحور حول تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والقارة السمراء.
في هذه الأثناء، تقفز الصادرات الأميركية من النفط الخام إلى أعلى مستوى منذ 1957 لتصل إلى أكثر من 400 ألف برميل يومياً، كلها موجهة إلى كندا، الدولة الوحيدة التي تستطيع الولايات المتحدة تصدير النفط الخام إليها، فالقانون الأميركي لا يسمح بتصدير النفط الخام الأميركي إلى الخارج، علماً أن ثمة توجهاً إلى تعديل القانون للسماح بتصدير النفط الخام، أو أقله مشتقاته، مع تزايد إنتاج النفط الصخري الأميركي.
وفيما لا تزال الولايات المتحدة تستورد يومياً نحو ثمانية ملايين برميل من كندا والمكسيك وفنزويلا ودول الخليج العربي، إلا ان هذا النفط هو من النوعين المتوسط والثقيل اللذين لا يمكن إنتاجهما حالياً في الولايات المتحدة والمصافي الأميركية مبرمجة لتكريره، إلى ان تتحول إلى استخدام النفط الخفيف المنتج محلياً، وهذا أمر يُحتمَل ان يستغرق خمس إلى 10 سنين، تستغني بعدها الولايات المتحدة عن نفط «أوبك» والخليج العربي.
ولولا الأزمات السياسية المختلفة لتدنى متوسط أسعار النفط أكثر، خصوصاً ان الطلب على النفط في أدنى فتراته.
لكن الدول المنتجة تستهلك كميات كبيرة في الصيف لزيادة إنتاج الكهرباء لتلبية الطلب على التبريد والتكييف، ناهيك عن الطلب الكبير للمركبات لأغراض قضاء الإجازات، وتتجاوز الكميات المستهلكة محلياً في البلدان المنتجة 10 ملايين برميل يومياً، ما ساهم في استمرار وتائر الإنتاج على ما هي عليه على رغم تراجع الطلب في بلدان مستوردة، خصوصاً الولايات المتحدة.
لكن ماذا عن أسعار النفط مستقبلاً، تحديداً مع نهاية الفضل الثالث من العام الحالي، حين يبدأ الاستهلاك المحلي في البلدان المنتجة بالانحسار مع انتهاء فصل الصيف؟ فهل ستواصل نزولها أم تعاود الصعود أم تبقى عند المتوسط الحالي؟
الأرجح ان أسعار النفط ستبقى عند المتوسط الحالي إلا إذا ساءت الأمور السياسية والأمنية في العراق أكثر، خصوصاً في الجنوب، ما قد يؤثر في الصادرات، أو ان تصل الأزمة الروسية - الغربية إلى منعطفات خطرة تتوقف معها الإمدادات الروسية من الغاز إلى أوكرانيا ثم إلى أوروبا، فتقع القارة العجوز في أزمة طاقة وتضطر إلى استخدام مشتقات النفط محل الغاز في التدفئة مع بدء الخريف واقتراب الشتاء، فترتفع الأسعار الفورية للغاز الطبيعي إلى معدلات قياسية وتاريخية ومعها أسعار النفط.
وفي نهاية الأمر لن تتأثر الإيرادات المالية لدول «أوبك» في المستقبلين القريب والمتوسط، وستحقق هذه الدول فوائض مالية مناسبة هذه السنة وفي السنوات القليلة المقبلة، لكن الشرط ان يبقى سعر برميل النفط قريباً من الرقم السحري المطلوب أي 100 دولار.
نقلا عن الحياة