في الوقت الراهن، تعمل الحكومة وفق استراتيجية بعيدة المدى للاقتصاد السعودي مداها 25 عاماً ينتهي في العام 2024، مقسمة إلى خمس خطط خمسية.
وبالفعل فقد أعدت الخطتين الخمسينيتين الثامنة (2005-2009) والتاسعة (2010-2014) وفق إطار الاستراتيجية بعيدة المدى.
والحافز لاعتماد منهجية التخطيط البعيد المدى هو "مفصلية المرحلة التي تعيشها المملكة بأبعادها المحلية والاقليمية والعالمية، والتي تتطلب على المستوى المحلي: (1) استكمال بناء مقومات التنمية المستدامة دون إبطاء، (2) التعامل بكفاءة مع التحديات التي برزت خلال السنوات الأخيرة المتمثلة بضرورة التوظيف الشامل والمنتج لقوة العمل الوطنية، (3) تحسين مستوى المعيشة.
وعلى الصعيد الخارجي يمثل تعزيز مكانة الاقتصاد الوطني وتكامله مع الاقتصاد الاقليمي والعالمي ابرز تحديات المرحلة المقبلة، علاوة على التعامل بكفاءة مع حركة العولمة بأبعادها المختلفة.
وتأتي أهمية تحديد رؤية وطنية شاملة تمثل هدف الاستراتيجية بعيدة المدى، من كونها تشكل محوراً لجميع شرائح المجتمع وقواه الفاعلة لتركز عليه جهودها ولتعبئة قدراتها لمواجهة هذه التحديات وتحقيق الغايات والأهداف.
وتحديداً، فإن الاستراتيجية بعيدة المدى ترتكز إلى رؤية مستقبلية للاقتصادي السعودي نصها: "سيكون الاقتصاد السعودي - إن شاء الله - بحلول العام 2024، اقتصاداً متطوراً منتعشاً ومزدهراً، قائماً على قواعد مستدامة، موفر فرص عمل مجزية لجميع المواطنين القادرين على العمل، متسماً بنظام تعليم وتدريب عالي الجودة والكفاءة، وعناية صحية متميزة متاحة للجميع، إضافة إلى جميع الخدمات الأخرى اللازمة لتوفير الرفاهية لجميع المواطنين، وحماية القيم الاجتماعية والدينية والحفاظ على التراث.
ومن هذا المنطلق، تهدف الاستراتيجية إلى مضاعفة متوسط دخل الفرد من 43.3 ألف ريال في العام 2004 إلى 98.5 ألف ريال في نهاية العام 2024 بالأسعار الثابتة، أي بمعدل نمو سنوي متوسطه لفترة الاستراتيجية 4.2 بالمائة، وهذا يتطلب متوسط نمو سنوي للناتج المحلي الاجمالي قدره 6.6 بالمائة على مدى الاستراتيجية.
بالإضافة للتطلعات البعيدة المدى والتخطيط الاستراتيجي ففي الدول قوى ومؤسسات مؤثرة لا شك، قد نختلف في مدى تأثير تلك المؤسسات، لكن لن نختلف في أنه إلى تعاظم مع مرور الوقت، وذلك لاعتبارات ليس أقلها:
(1) أن هذا التوجه يجسد الإرادة المشتركة للحاكم والمحكوم، (2) وجود الحاجة الماسة للاستفادة والاستزادة مما تزخر به البلاد ليس فقط من فرص وآراء وتجارب، بل كذلك من الرغبة الكامنة في عقل ووجدان مؤسسة الحكم في تطوير آلية اتخاذ القرار وتداول السلطة وتحقيق تنمية مستدامة ومتوازنة اجتماعياً واقتصادياً.
وقد لا يعي غير المتابع أن ما مَرّ على المملكة خلال السنوات العشر الماضية يمكن أن يصنف "انتفاضة رصينة" تتجاوز السطح لتدخل بتؤدة في العمق دونما استفزاز لمرتكزات الامن والسلم الاجتماعي.
وحتى لا يكون التناول فيما يتعلق بالمملكة تنظيرياً، خذ أي جانب من جوانب الحياة وستجد تغيراً حدث، وستجد أن ذلك التغير كان بفعل تلك "الانتفاضة الرصينة".
لقد حدث ذلك في الجوانب الأكثر احتياجا، مثل: الضمان الاجتماعي، الخدمات الاجتماعية، تطوير الموارد البشرية بما في ذلك ابتعاث الطلاب (بعد أن ضاق الجميع ذرعاً بقدرة الجامعات المحلية لاستيعاب الأعداد والرغبات)، وتطوير القضاء تطويراً هيكلياً وتنظيمياً، وفي وضع موضوع البطالة والتوظيف على بدايات طريق الإصلاح وإزالة التشوهات المنهكة للباحثين عن عمل ولميزان المدفوعات في آنٍ معاً.
وخلال السنوات العشر تلك استحدثت وحدثت الغالبية العظمى من الأنظمة (القوانين) المعمول بها في المملكة.
ولعل من الانصاف القول إن "الانتفاضة الرصينة" تلك تهدف لتحسين الأداء لجميع المكونات، انطلاقاً من أن الدعة والرتابة لن تأخذانا بعيداً في عالم تتطاحن فيه الدول لاقتطاع حصص أكبر من الأسواق والتأثير، ويبدو أن تتنافس تلك القوى فيما بينها وبين القوى الاقليمية للتأثير في منطقتنا الزاخرة بالثروات والصراعات والتطلعات.
ومن هذا المنطلق نجد ان المملكة تسعى لتحسين قدرتها التنافسية، فكلمات مثل "منافسة" و"تنافسية" تأخذا حيزاً يزداد اتساعاً، فقد صدر نظام لحماية المنافسة وشكل مجلسٌ من أجل ذلك، وأطلقت الحكومة استراتيجية توظيف تقوم على المنافسة وأطلق منتدى سنوي للمنافسة. ولعل من الملائم القول إن تلك الجهود ما زالت في بداياتها فلم تثمر أكلها بعد.
وليس محل جدل أن المنافسة في الأساس تقوم على التحسين المستمر للأداء، وهذا يعني ضمناً عدم الرضا عن الأداء ما دام دون المنافسين.
وهذا بالتأكيد أمر يحمل نفساً إيجابياً قوياً، فالرضا عن الذات يجب أن يأتي نتيجة مقارنة مع مؤشرات محددة إما مستهدفة أو مقارنة. وعليه فإن "الانتفاضة الرصينة" استبدلت (أو هي في سبيلها لاستبدال) ما استقر من "رضا عن الذات" إلى "تحد للذات".
وبالتأكيد، فإن تحدي الذات لا ينطلق من رغبة في تعذيبها وقهرها، بل من منطلق أن التقدم لا يكون إلا بمفهوم يطوي المسافات، فتجاوز الأمم يقاس بمؤشرات أداء كمية تحسب حساباً، وتصدر بها مجلدات وتحويها قواعد بيانات وتنشرها منظمات دولية تحصي على الدول أنفاسها.
وتتناول مؤشرات الأداء الجوانب الاجتماعية والحضرية والاقتصادية والمالية وغير ذلك كثير.
نقلا عن اليوم