لاحظت في مقال الأسبوع الماضي أن سعر نفط الأوبك قد انخفض في الأسابيع الأخيرة بنسبة 13,6% إلى 95,35 دولار للبرميل، وأنه –رغم استقراره في الأسبوع الأخير بانخفاض محدود إلى 95,19 دولار- إلا أنه لا يزال مرشحاً لمزيد من الإنخفاض بتأثير العوامل التي أشرت إليها في المقال السابق وهي: ارتفاع سعر صرف الدولار، وتراجع حدة التوترات العالمية، ووجود فائض في ميزان العرض والطلب على النفط مع زيادة إنتاج الأوبك، وتحول الولايات المتحدة إلى مصدر صافي من انتاجها من النفط الصخري.
وتساءلت في نهاية المقال عن تأثير هذا التراجع على معطيات الاقتصاد القطري.
من المؤكد بداية أن لهذا التراجع-إذا ما استمر إلى 90 دولار للبرميل- تأثيرات عديدة على مجاميع الاقتصاد القطري الكلية وأولها بالطبع قيمة صادراتها، وفائض ميزانها السلعي مع العالم، ومن ثم فائض ميزانها الجاري، وفائض ميزان المدفوعات، والناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى الإيرادات العامة، وفائض الموازنة العامة للدولة.
وأتناول فيما يلي إثنين من هذه المجاميع بشيئ من التفصيل وهما فائض الموازنة العامة للدولة، والناتج المحلي الإجمالي.
وبالنسبة لفائض الموازنة نجد أن انخفاض سعر نفط الأوبك بما نسبته 15% تقريباً عن السنة السابقة يؤدي إلى انخفاض الإيرادات النفطية بنحو 29 مليار ريال، وانخفاض الإيرادات العامة الكلية بالتالي إلى 317 مليار ريال، وذلك بافتراض عدم وجود زيادة في الإيرادات من مصادر أخرى؛ كزيادة انتاج النفط والغاز، أو/وزيادة إيرادات الرسوم والاستثمارات.
وهذا التراجع المحتمل يتبعه انخفاض في فائض الموازنة العامة للدولة لسنة كاملة بنفس المقدار إلى 86 مليار ريال مقارنة بـ 115 مليار في العام 2013/2014. وقد لا يكون لهذا الانخفاض تأثير مهم على الأوضاع الاقتصادية ومسيرة البلاد التنموية، باعتبار أنه سيظل هنالك فائض كبير تتمتع به الموازنة العامة للدولة .
لكن تأثير التراجع قد يزداد إذا ما ارتفعت النفقات العامة في نفس السنة، أو إذا ما انخفض معدل إنتاج النفط الخام، أو إذا ما انخفض سعر برميل نفط الأوبك دون 90 دولار للبرميل.
ومن جهة أخرى قد يكون من المناسب في وقت لاحق إعادة تقييم سياسة طرح أذونات الخزانة- التي تتم بمعدل 4 مليار ريال شهرياً- إذا ما انخفضت السيولة في الجهاز المصرفي- نتيجة تراجع إجمالي الإيرادات الحكومية.
لكن عين الحكومة ستظل مع ذلك يقظة باتجاه مستويات التضخم التي قفزت في شهر أغسطس إلى مستوى 3,8% مقارنة بـ 3,1% في يوليو و 2,8% في شهر يونيو.
فهذا الارتفاع المفاجئ في معدل التضخم قد يضغط في الاتجاه المعاكس ويعمل على الإبقاء على معدل سحب فائض السيولة من النظام المصرفي من خلال الأذونات بدون تغيير.
ومن جهة أخرى قد يكون للتراجع المحتمل لسعر برميل نفط الأوبك على النحو المشار إليه- إذا ما حدث- تأثير أكبر على الناتح المحلي الإجمالي لقطاع النفط والغاز نقدره بنحو 60 مليار ريال، باعتبار أن الإنخفاض سيصيب كل الإنتاج وليس حصة الحكومة فقط.
ومن ثم فإنه قياساً على ناتج عام 2013 الذي بلغ نحو 737 مليار ريال منها 401 مليار ريال من قطاع النفط والغاز، فإن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية لسنة كاملة قد ينخفض إلى 677 مليار ريال، أي بنسبة 8% تقريباً.
وهذا التقدير لا يأخذ بعين الاعتبار أية تغيرات محتملة سواء بالزيادة أو النقص على المتغيرات الأخرى سواء في قطاع النفط والغاز –كما أسلفنا أعلاه- أو في نواتج القطاعات الأخرى. كما أن الارتفاع المتوقع في سعر صرف الدولار سيكون له تأثيرات إيجابية.
ولأن الناتج المحلي الإجمالي هو حجر الزاوية الذي تُقاس استناداً إليه كثير من المؤشرات الاقتصادية والمالية، لذا، فإن أي انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي بعد سنوات من الارتفاعات الكبيرة، سوف ينعكس على هذه المؤشرات.
وفي مقدمة هذه المؤشرات متوسط دخل الفرد السنوي الذي قد ينخفض إلى 80 ألف دولار، بعد أن تجاوز المائة ألف دولار قبل عامين.
ومن المؤشرات الأخرى ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي التي سترتفع نتيجة لانخفاض المقام في النسبة، وهو الناتج المحلي.
وإذا ما تحققت هذه السيناريوهات المفترضة، فإنه قد يؤثر على ترتيب قطر في جدول التنافسية العالمية السنوي الذي احتلت فيه قطر المركز السادس عشر عالمياً هذا العام، مع العلم بأن تأثير الانخفاض سيكون مماثلا على كل دول مجلس التعاون الأخرى بنفس القدر.
ويظل فيما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله أعلم