توقع تقرير أخير للأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي ان يحقق الاقتصاد الخليجي نمواً متواضعاً هذا العام لن يزيد متوسطه عن أربعة في المئة بسبب الانخفاض المرجح في إنتاج النفط.
ويمكن إضافة سبب آخر هو تراجع أسعار النفط، فسعر نفط «برنت» المرجعي انخفض بداية الأسبوع الماضي عن مئة دولار للبرميل.
قد لا تتسبب هذه العوامل بتراجع حاد في الإيرادات السيادية المتأتية من مبيعات النفط الخليجي، لكن العوامل المذكورة تضع دول الخليج أمام حقيقة معلومة وهي ان اقتصاداتها مكشوفة على مجريات أسواق النفط وتداعيات أوضاع الاقتصاد العالمي في هذه الأسواق.
وما زالت بلدان الخليج تحقق فوائض مالية مهمة، لكنها تستلزم التوظيف المناسب لتصبح ذات جدوى وتحقق عائدات تعضد إيرادات النفط.
ثمة توقعات بأن تقرر دول الخليج الأعضاء في «أوبك»، خفض الإنتاج بنسبة معقولة لمواجهة زيادة العرض في السوق بسبب الإمدادات من البلدان غير الأعضاء في المنظمة.
ويستحق جانب الطلب الانتباه بعدما تأكد استمرار حال الركود في الاتحاد الأوروبي، على رغم السياسات النقدية التحفيزية، خصوصاً بعد خفض البنك المركزي الأوروبي سعر فائدة الحسم.
ويشير تقرير غرف التجارة الخليجية إلى ان الفائض المالي الخليجي الذي بلغ 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2012 قد ينخفض هذا العام إلى خمسة في المئة «بسبب التراجع الطفيف في الإيرادات النفطية». فكيف ستواجه بلدان الخليج هذه الاحتمالات؟ وهل يمكن ان تقلص الإنفاق الجاري والرأسمالي؟
ليس هذا الاحتمال متوقعاً في ظل تزايد الطلب على الخدمات في بلدان الخليج وارتفاع أعداد المواطنين والمتدفقين إلى سوق العمل الذين تظل الحكومات ومؤسسات القطاع العام الملاذ الأخير لتوظيفهم.
يراوح نمو الإنفاق الحكومي في بلدان المنطقة بين ستة وثمانية في المئة سنوياً وهي نسب مرتفعة.
وما زال الإنفاق الحكومي بعيداً من الترشيد إذ يطغى الإنفاق الجاري على الإنفاق الرأسمالي الذي بات ضرورياً نظراً إلى الاختناقات في المرافق، مثل الكهرباء والمياه، وفي البنية التحتية، مثل الطرق والموانئ والمطارات، ناهيك عن مشاريع السكن الخاص.
ويحقق الإنفاق الرأسمالي إمكانيات جيدة لتعزيز الأوضاع المالية لشركات القطاع الخاص التي يضطلع كثير منها بتنفيذ تلك المشاريع.
وتساهم زيادة الإنفاق الرأسمالي في توفير فرص التمويل للمصارف والمؤسسات المالية.
لكن كيف يمكن الخروج من محنة الاعتماد على النفط؟ يرى تقرير غرف التجارة الخليجية ان المطلوب هو إفساح المجال أمام القطاع الخاص لمشاركة أوسع في برامج التنمية الاقتصادية.
وسبق طرح الأمر في الكثير من الأدبيات الاقتصادية، سواء الحكومية أو الأكاديمية أو التابعة للقطاع الخاص.
ومع تحسن دور القطاع الخاص خلال السنوات والعقود الماضية، وإن تفاوت بين بلد خليجي وآخر، يظل الدور الاقتصادي المناسب للقطاع الخاص دون المستوى المنشود.
هل يمكن ان ترتفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي بما يؤدي إلى الزعم بأن تنويع القاعدة الاقتصادية بدأ وأصبح على المسار الصحيح؟
ليس متوقعاً ان يتراجع دور الدولة في الاقتصادات الخليجية إلى مستويات طبيعية، مثل ما هي الحال في بلدان متقدمة، خلال أمد قريب، فالقطاع الأساسي الذي يمكن ان يحقق التنويع ويزيد إمكانيات خلق فرص التوظيف للمواطنين، هو قطاع الصناعات التحويلية، لكن مساهمته ما زالت بحدود 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
هل يمكن ان ترتفع هذه المساهمة إلى 25 في المئة عام 2020، كما يطرح تقرير الغرف التجارية؟
يمثل ذلك تحدياً مهماً وقد لا تصل النسبة إلى المستوى في العام المشار إليه. لكن ما يمكن ان يتحقق هو تبني الحكومات الخليجية فلسفة اقتصادية إصلاحية تؤدي، وبتدرج، إلى رفع مساهمة القطاع الخاص في العمل الاقتصادي بما يمكن من رفع مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي في مختلف بلدان الخليج.
يذكر ان قطاع الصناعات التحويلية في بلدان الخليج استحوذ على استثمارات تبلغ 323 بليون دولار حتى الآن.
وينتظر ان تصل الاستثمارات إلى تريليون دولار بحلول 2020.
ولا شك في ان الصناعات التحويلية حظيت برعاية واهتمام من حكومات بلدان المنطقة بعد توفير الأراضي بتكاليف شبه مجانية، بالإضافة إلى توفير الكهرباء والمياه بأسعار مدعومة، ناهيك عن توفير الحماية الجمركية في بداية الأمر، كما ان السلطات تشجع استخدام المنتجات المحلية في المشاريع الحكومية.
المهم في مسألة تنويع القاعدة الاقتصادية هو ان تكون المشاريع ذات جدوى اقتصادية ولا تشكل عبئاً على المال العام ولا بد من ان تعتمد، إلى درجة كبيرة، على توظيف العمالة الوطنية، وأن تساهم في تحقيق عائدات تمثل نسبة مناسبة من الإيرادات السيادية.
ان ما يثار الآن في شأن تراجع أسعار النفط يستحق الاهتمام، لكن هل ستظل هذه الأسعار متراجعة لفترة طويلة؟
ربما يعود الطلب قوياً بعد شهور قليلة، مثلاً عندما يحين موسم الشتاء ويرتفع الطلب على وقود التدفئة.
أما النفوط البديلة فقد لا تتوافر في سوق النفط بكميات ملائمة عندما تتراجع الأسعار فتكاليف إنتاجها تصبح غير مقبولة عندما تصل أسعار النفوط التقليدية إلى مستويات متدنية.
لكن الاهتمام بالبحث عن مداخيل متنوعة لدول الخليج يظل مستحقاً حتى ولو بقي الاعتماد على النفط أساسياً.
نقلا عن الحياة