أستعير هذه العبارة من رجل الأعمال الأميركي والفيلسوف الاستثماري "وارن بفت" عندما قال: اجعل مخاطر السوق والتذبذب العالي أصدقاءك في الاستثمار، بمعنى أن مثل هذه المخاطر تربك وتكون سبباً في حرمانك للاستثمار والصواب هو السيطرة عليها وتقليصها قدر الإمكان.
نفس المفهوم أحاول إسقاطه على الفساد بألا نجعله يخيفنا ويثبط خطواتنا عن التنمية، قد يتساءل البعض: هل الإصلاح الإداري يسبق التنمية؟ وجوابي أن التنمية بذاتها إصلاح، وللنظر في تجارب الدول النامية مثل الهند والصين وماليزيا فإنهم لجأوا للإصلاح عبر التنمية.. البعض قد يحكي بأن حجم الفساد زاد؛ وهذا صحيح، ولكن من زاوية أخرى انخفض وزن الفساد من حجم الاقتصاد العام، من جهة أخرى الدول التي أحبت البدء بالإصلاح قبل التنمية - وأقصد هنا محاولة محاربة الفاسدين وإدخال تشريعات جديدة غير مرتبطة بمشاريع الإنفاق والتوسع - لم تنجح معركتها على الفساد مثل فنزولا ونيجيريا سابقاً.
الخطأ هو نتيجة العمل ومحاولة التغيير، ولكن السكون والحجج بالفساد هو ما يغذّي الفساد بعدم التغير وإجبار القوانين على التغيير لمواجهة التطورات وارتفاع الحجم الاقتصادي، حيث ربط الفساد بالأشخاص لن يغيّر حضور الفساد إذا لم تحارب أسبابه وتغير الهيكلة النظامية التي تسبب ظهوره، وتطوير الموارد البشرية عبر مهاراتها وألا تموت هذه المهارات بوظائف وهمية لمجرد محاربة العطالة.
الفاسدون لا بد أن يحاسبوا؛ لكن الأهم هو معالجة أسباب الفساد، وأن يعاد دائماً بين فترة وأخرى وقطاع وآخر لطرح قوانين أكثر وأدق، اليوم ماليزيا عبر استفتاء قامت به "أرنست آند ينغ" لبيئة الأعمال هناك توضح عودة تمدد الفساد والرشاوى، والسبب في نظري هو الحاجة لتطوير القوانين بين فترة وأخرى.
أخيراً أقول إن تطور الأفكار لصنع تنمية حقيقية يأتي عبر سياسة الباب المفتوح، وهنا أفتح قوساً لأشيد بسياسة مؤسسة النقد التي تفتح أبوابها للنخب الاقتصادية للنقاش وتبادل وجهات النظر، وأتمنى حقيقة أن ينضم في هذه الورش ممثلون لوزارة المالية أو المجلس الاقتصادي الأعلى للاستماع مع هذه النخب عن تحديات نطمح بتحقيقها مثل زيادة حجم المؤسسات المتوسطة والصغيرة، الانتقال إلى اقتصاد المعرفة والبحث العلمي، تنويع مصادر الدخل، تحديات الطاقة والطاقة المتجددة، أزمة سوق العقار، والكثير من القضايا من أجل أن ننظر للغد بعيون متفائلة دون أن نضع شبح الفساد عائقا لأي تقدم.
* لقد شعرت في مؤسسة النقد بكبر سني عندما رأيت شباباً أصغر مني يحملون درجة الدكتوراه!! ولكن عزائي هو كفاءتهم ونشاطهم الذي سيكون خيراً لهذا البلد.
نقلا عن الرياض