التقييم الرسمي لنجاح أو فشل الهيئة العامة للاستثمار يعتمد في المقام الأول على المعايير الدولية الرسمية، التي حددتها وثيقة سهولة ممارسة الأعمال، الصادرة عن البنك الدولي نتيجة دراساتها ومقارنتها للهيئة بالهيئات المماثلة في 178 دولة حول العالم. لذا فإن الهيئة السعودية لا تحتاج إلى المزايدة على نجاحاتها وإنجازاتها، ولا تتطلع إلى الإطراء أو التقريع على نتائج مسيرتها، ولكنها تطالبنا بتوخي الدقة في نقد أعمالها والنزاهة في انتقاد مسيرتها.
الهيئة العامة للاستثمار أكدت مرارا وتكرارا أن اندماج اقتصادنا بقواعد وأحكام التجارة العالمية، وانفتاح أسواقنا أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية لم يعد كافيا لتحقيق أهدافنا الطموحة في التنمية البشرية واكتساب موقعنا المميز في التنافسية العالمية.
كما أعلنت الهيئة جهارا نهارا أن ارتفاع حجم تجارتنا الخارجية بنسبة 70% من ناتجنا المحلي، واستحواذ صادراتنا على المركز 12 بين دول المعمورة لم يعد مطمحا لتأمين ملاءتنا الائتمانية المميزة عالميا وتحسين تصنيفنا السيادي المرموق دوليا.
لذا اتخذت هيئة الاستثمار في العام الماضي قرارا حاسما لدمج أهداف التنمية الشاملة باستراتيجية التنافسية المتكاملة، وذلك لتحييد عشوائية العولمة وتحقيق فوائدها المتوازنة.
من مزايا هذا القرار الصائب، قيام الهيئة بتحديد أهداف الاستثمار بالمملكة، والتي من أهمها: تنمية القوى البشرية بدلا من تضخيم مواردنا المالية، وتنويع الأنشطة الإنتاجية بدلاً من استنزاف مواردنا الأولية، وتوطين التقنية وإثراء المعرفة لقاء حق الانتفاع بمزايانا النسبية، إضافة إلى زيادة القيمة المضافة المحلية وإحلال المنتجات الوطنية مكان الواردات الأجنبية لرفع نسبة النمو الاقتصادي الحقيقي.
هذه النقلة النوعية لأهداف الهيئة تزامنت مع صدور تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" عن الاستثمار الأجنبي في قريتنا الكونية، الذي أكد أن أهداف الهيئة والتعديلات الجذرية التي قامت بها لتحقيق طموحاتها سوف تؤدي حتما إلى تحقيق التنمية المستدامة بالمملكة، خاصة وأن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم سيزيد بنسبة تفوق 12% خلال العام الجاري إلى 1.62 تريليون دولار.
ونتيجة لأهداف الهيئة حققت السعودية خلال السنوات الماضية المركز الأول بين دول الشرق الأوسط في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي بلغت 141 مليار دولار، بمساهمة ثابتة من القطاع الخاص الوطني تقدر بنحو 30% من إجمالي هذه الاستثمارات.
هذا في الوقت الذي بلغت فيه تكلفة مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول العربية خلال الفترة خلال العقد الماضي ولغاية أبريل 2014 قيمة تفوق 1000 مليار دولار، ساهمت في توفير 1,6 مليون فرصة عمل للشعوب العربية.
ولكون المناخ الاستثماري بالمملكة يتمتع بأكثر الفترات ديناميكية وأشدها منافسة في تاريخنا الحديث، فإن ذلك دفع الهيئة إلى التعاون الوثيق مع الجهات الحكومية الأخرى لتحديث أنظمتها وتحديد أهدافها للاستفادة من تحرير التجارة وتوجيه دفة العولمة لصالحها. وأصبح من أولوياتها توطين المزيد من الوظائف ورفع كفاءة الاستثمارات وقدراتها التنافسية داخليا وخارجيا.
كما أن مكانة المملكة الفريدة كأكبر مُنتج ومصدِّر للنفط في العالم، أملت علينا أن نتحمل مسؤولياتنا بجدارة تجاه الاقتصاد العالمي، لتصبح المملكة من أكبر الدول مساهمة في منظومة الأسواق العالمية والمنظمات الدولية، ولتصبح قطاعاتنا الخدمية أكثر القطاعات نشاطاً وحيوية، لتتصدر السعودية المراتب المتقدمة على صعيد التنافسية العالمية.
من هنا جاء انسجام أنظمة الهيئة العامة للاستثمار مع النظام التجاري العالمي كحاصل تحصيل لمسيرة الإصلاح الاقتصادي التي أرسى دعائمها خادم الحرمين الشريفين قبل عقدين من الزمن. فخلال هذه المسيرة الخيرة تم إصدار 42 نظاما جديدا واختصار "القائمة السلبية" للاستثمار الأجنبي وإزالة العوائق الفنية التي كانت تعترض التجارة الحرة في أسواقنا.
هذا الانسجام أدى إلى تحسين كفاءة أداء الخدمات المتاحة في أسواقنا والقفز بتصنيف بيئتنا الاستثمارية من المرتبة 67 إلى المركز 11 بين دول العالم، وأهَّل اقتصادنا الوطني لاستحقاق التقدير السيادي المميز من الهيئات الدولية المستقلة.
وفي العام الماضي تقدمت السعودية من المركز 38 إلى المركز 11 ضمن أسرع دول العالم في تحقيق نتائج مسيرة الإصلاح الاقتصادي ومن أفضلها جذبا للاستثمارات الأجنبية، لتتفوق السعودية على فرنسا والنمسا والكويت والإمارات.
جاءت هذه النتائج الباهرة محصلة حتمية لمسيرة الهيئة العامة للاستثمار في تحديد أهدافها وتحديث أنظمتها وتوفير المناخ الملائم للمستثمرين في أسواقنا وتسهيل أعمالهم.
من خلال المتوسط المرجح لعشرة معايير اتخذها البنك الدولي كمؤشرات ملموسة للتصنيف، حصلت السعودية على المركز 3 في تسجيل الأصول والأملاك، والمرتبة 7 في نسبة الضرائب المفروضة على الأرباح، والمركز 33 في التجارة عبر الحدود، والمرتبة 36 في معيار تسهيل بدء أعمال المستثمرين، والمركز 40 في استخدام وتشغيل العمالة، والمرتبة 47 في منح وإصدار التراخيص، والمركز 48 في سهولة الحصول على الائتمان وتوفير الضمانات، والمرتبة 50 في حماية الاستثمارات.
الهيئة العامة للاستثمار نجحت في وضع المملكة على خارطة الاقتصاد العالمي، لتتضاعف قيمة الاستثمارات في السوق السعودي 40 مرة خلال العقد الماضي، محققة رصيداً ضخماً من الاستثمارات الوطنية والأجنبية، فاقت محصلته 1126 مليار ريال، لتثري الاقتصاد الوطني بقيمة مضافة تعادل 100 مليار ريال سنوياً، وترفع نسبة المواطنين العاملين في منشآتها إلى 27% من إجمالي العاملين، وتقارب مشترواتها من المنتجات الوطنية إلى 225 مليار ريال سنوياً.
هذه الحقائق الموثقة والنتائج المشرفة، هي المرآة الصادقة لتقييم الهيئة العامة للاستثمار.
نقلا عن الوطن