الحاجة ملحة إلى جهاز إنذار مبكر بأزمات المال

09/09/2014 0
عدنان أحمد يوسف

تتواصل تداعيات الأزمة العالمية التي تفجرت عام 2008، إذ خلص مسح أجراه مصرف «غولدمان ساكس» لآراء كبار المستثمرين من المؤسسات، إلى أن مراجعة تاريخية يجريها المصرف المركزي الأوروبي لمصارف منطقة اليورو ينبغي أن تتضمن مطالبتها بجمع 51 بليون يورو إضافية (67 بليون دولار) كي تكتسب مصداقية لدى الأسواق، الأمر الذي يكشف عن مواصلة المصارف العالمية تضررها الكبير من تداعيات الأزمة بعد مرور ست سنوات على بدئها.

وإذا أضفنا الوجوه الأخرى للأزمة المستمرة والمتمثلة في التباطؤ الاقتصادي العالمي وارتفاع معدلات البطالة ومعدلات التضخم مع تدني أسعار الفائدة وغيرها، يتضح أن الأزمة الراهنة التي نعيشها اليوم هي أكثر عمقاً واتساعاً لجهة حجم التداعيات والفترة الزمنية التي استغرقتها بالمقارنة بسابقاتها.

وربما ينبئنا هذا بأننا قد نواجه مستقبلاً أزمات أعمق حتى من الأزمة الراهنة، لأن أساسيات الاقتصاد العالمي آخذة في التغير والتبدل يوماً بعد آخر لكنها تتجه في صورة عامة نحو الترابط في حلقاتها في صورة أشد، ما يسهل نقل تداعيات أي أزمة بين قطاع وآخر وبين منطقة وأخرى.

يجب أن نتذكر هنا أن الأزمة العالمية عندما نشبت في صورة رسمية وحادة في صيف 2008، تعامل معها المسؤولون في دول كثيرة بدهشة وكأنهم بُغتوا بها، في حين أن مؤشرات العجز في تسديد ديون الرهن العقاري بدأت بالتصاعد تدريجاً منذ 2007.

وأصدر صندوق النقد الدولي بعد مرور سنة على نشوب الأزمة العالمية، دراسة شاملة حول الدروس المستفادة من الأزمة، أعاد فيها التشديد على أن عدم القدرة على رصد الأخطار المتمثلة في فقاعة أسعار الأصول، المتنامية في فترة الرواج، شكّل إخفاقاً رئيساً في مواجهة الأزمة في صورة مبكرة.

ونجمت عن هذا الإخفاق نتائج سلبية رئيسة، فلم تكن هيئات الرقابة والتنظيم الخاصة بأسواق المال والقطاع المصرفي مجهزة بما يتيح لها انكشاف تركزات الأخطار والحوافز المعيبة وراء طفرة المشتقات المالية المبتكرة، فلا انضباط السوق ولا العمل التنظيمي استطاعا احتواء الأخطار الناجمة عن سرعة الابتكار وزيادة العبء المالي الذي ظل يتراكم لسنوات طويلة.

ولم يوجه صانعو السياسات الاهتمام الكافي للاختلالات الاقتصادية الهيكلية التي ساهمت في تراكم الأخطار النظامية في النظام المالي.

فالمصارف المركزية ركزت على معدلات التضخم وأسعار الفائدة بدلاً من الأخطار المصاحبة لارتفاع أسعار الأصول وزيادة العبء المالي.

وكانت تلك المصارف منشغلة بالقطاع المالي الرسمي بدلاً من الانشغال بالأخطار المتزايدة خارج إطار الموازنات المالية للمصارف.

وحتى المؤسسات المالية الدولية لم تنجح في إرساء روابط تعاونية وثيقة على المستوى الدولي. لذلك، أشار كل تلك النتائج إلى قصور في التقويمات والرقابة على الأسواق والمصارف العاملة.

وحين تفجرت الأزمة لاحقاً كانت ردود فعل السياسات مكبلة بقيود الهياكل التنظيمية المتشرذمة، وبيانات الإفصاح غير كافية لتوضيح الأخطار وأوجه الضعف في نظم إدارة الأزمات وأطر تسوية الأوضاع المصرفية، خصوصاً في التعامل مع الضغوط العابرة للحدود. وكل هذه السلبيات هي التي فرضت الخروج بتوصيات لجنة «بازل 3» في ما بعد.

من هنا تبرز الحاجة الملحة على الصعيد العالمي إلى تطوير أجهزة كفوءة قادرة على توقع الأزمات في صورة مبكرة، وعلى الاحتياط لها بجملة من التدابير التي تمكنها على الأقل من الحد من حدة تداعياتها وتأثيراتها أو التخفيف منها.

ولعل هذه دعوة إلى اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين التي ستعقد خلال تشرين الأول (أكتوبر) المقبل في نيويورك، وكذلك لقمة العشرين في تشرين الثاني (نوفمبر) في أستراليا لبحث هذه المواضيع المهمة.

وعلى الصعيد العربي، باتت الحاجة ملحة إلى بلورة مبادرة تحت إشراف الجامعة العربية أو أي جهاز آخر، تساهم فيها كل المؤسسات الاقتصادية والمالية العربية المعنية مع اتحاد المصارف العربية لتدارس تأسيس جهاز عربي يتوقع الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية ويملك جملة من التدابير الاحتياطية لمساعدة الدول العربية على مواجهة التداعيات بحيث يشمل عمله المستويين الوطني، أي على مستوى كل دولة ترغب بالمشاركة فيه والعربي بحيث يعمل على تطوير إستراتيجية موحدة لتوقع الأزمات وإدارتها.

نقلا عن الحياة